هل يلدغ الأكراد من الجحر مرتين؟.. أميركا نكثت بوعد “الدولة المستقلة” في سوريا بعد الحرب العالمية الأولى

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/02 الساعة 14:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/02 الساعة 14:14 بتوقيت غرينتش

لعامين تقريباً، قاتل أكراد سوريا، وقُتلوا، في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بأسلحة أميركية وغطاء جوي وتدريب أميركيين. وافتخروا بكونهم أكثر حلفاء الولايات المتحدة ولاءً في الحرب ضد التنظيم المسلح، آملين في أن تسهم فاعليتهم كمقاتلين في حصولهم على الدعم الأميركي للمكتسبات السياسية الكردية داخل سوريا.

لذا اضطرب العديد من الأكراد حين تتابع دخول الدبابات والجنود الأتراك إلى شمال سوريا مؤخراً، بدعم أميركي لوقف المكاسب الكردية. ورأوا فيه، ربما باكراً، تكراراً لقرن من خيانات القوى العالمية لهم، مستعيدين ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى، حين وُعدوا بدولتهم المستقلة في تسوية ما بعد الحرب، قبل أن يتبخر هذا الوعد، وفق ما نشر تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الخميس 2 سبتمبر/أيلول 2016.

يقول جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، الخبير المخضرم في شؤون الأكراد: "سيصرخ الأكراد باتهامات الخيانة عند كل منعطف لا يرون فيه الأمور تجري كما يشتهون، لأنهم شهدوا قرناً من الخيانات".

منطقة حكم ذاتي

يقول أكراد سوريا إن هدفهم هو إنشاء منطقة حكم ذاتي، لا دولة مستقلة لهم، حيث تُحمى حقوقهم أياً كانت التسوية التي ستلي الحرب الأهلية السورية الطويلة. كما يعبرون عن أملهم في أن تدعم الولايات المتحدة رغبتهم.

إلا أنه لفعل ذلك سيكون عليهم ربط اثنين من أقاليمهم: عفرين في الغرب، وكوباني في الشرق، وهو ما ترى فيه تركيا تهديداً لأمنها القومي، يجب القضاء عليه بأي ثمن.

لذلك، وعلى الرغم من أن الهدف الأول لتوغل القوات التركية في شمال سوريا الشهر الماضي كان دفع تنظيم داعش بعيداً عن مدينة جرابلس الحدودية، يؤمن الكثيرون أن هدف تركيا الأساسي كان القضاء على الطموحات الكردية الإقليمية.

إلا أن دعم الولايات المتحدة لتحرك تركيا، حليفتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ترددت أصداؤه بين الأكراد في المنطقة، حيث ينتشرون في 4 دول: إيران، العراق، سوريا، وتركيا، وهم الذين لطالموا حلموا بدولتهم الخاصة إثر قمع الحكومات الاستبدادية لهم وحرمانهم من حقوقهم السياسية الأساسية.

"هذه العمليات التركية موجهة ضد الأكراد أكثر مما هي ضد داعش"، هكذا قال محمود عثمان، السياسي الكردي البارز في العراق، قبل أن يضيف: "الناس الآن خائفون. إنهم خائفون مما قد يحدث في النهاية".

وبالنظر إلى التاريخ، يرى الأكراد أنفسهم ألعاباً في أيدي القوى العالمية، التي تستخدمهم في حروب بالوكالة حين يخدم ذلك مصلحة أحدهم، قبل أن يتم التخلص منهم.

كانت صديقة رائعة

يمكن القول إن الولايات المتحدة كانت صديقة رائعة للأكراد، إذ سعت لمساعدتهم في مطلع التسعينات بعد حرب الخليج، كما ساعدتهم على إقامة منطقة حكم ذاتي لهم في العراق، بمأمن من حكم صدام حسين.

إلا أن الولايات المتحدة تظهر بوضوح أيضاً في تلك الذاكرة التاريخية للخيانة. في عام 1975، وبعدما عملت المخابرات المركزية الأميركية بالتعاون مع إيران على تزويد الأكراد بالأسلحة لمواجهة نظام صدام حسين، انسحب وزير الخارجية آنذاك هنري كيسنغر من هذا الاتفاق فجأة بعد المصالحة بين طهران وبغداد.

حين سُئل الصحفي الكردي بشمال العراق، حصوص حرد، عن رد فعله تجاه الدعم الأميركي للتوغل التركي في سوريا، أجاب: "في 1975، جرت خيانة مماثلة للأكراد".

بينما يرى العديد من المحللين، والمقاتلين من أكراد سوريا على الأرض، أن اتهامات الخيانة ليست صحيحة، على الأقل حتى الآن.

لا يوجد ما يشير إلى أن الولايات المتحدة قد تخلت عن أكراد سوريا. كما عمل المسؤولون الأميركيون على التفاوض للوصول إلى هدنة بين الثوار الذين تدعمهم تركيا وبين الميليشيات الكردية المعروفة بوحدات حماية الشعب، لتهدأ حدة القتال في الأيام الأخيرة.

قلق كردي

لكن العديد من الأكراد يقولون إنهم يرون الآن الكتابات على الجدران ويقلقون من أن الولايات المتحدة ستبيعهم بمجرد إخراج تنظيم داعش من عاصمته في مدينة الرقة السورية.

قال هيلترمان إنَّه عندما سافر إلى شمال سوريا هذا العام، سأله الأكراد هذا السؤال مراراً وتكراراً: "ماذا سيفعل الأميركيون في ظنِّك عندما يتم الاستيلاء على الرقة؟".

يُسلِّط السؤال الضوء على الأحجية التي تقدِّمها أرض المعركة السورية التي تزداد تعقيداً للولايات المتحدة، التي حاولت موازنة علاقتها مع تركيا والأكراد في سوريا، وهُم عدو أساسي لتركيا بسبب روابطهم بالمُسلَّحين داخل البلاد.

ورغم أنَّ الولايات المتحدة قد مرَّرت أسلحةً لأكراد سوريا وأمدَّتهم بالتدريب العسكري، فإنها لم تؤسِّس روابط مع حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السياسي للميليشيات، بسبب المخاوف التركية. ولا وعدته بأي شيء أكثر من الدعم العسكري في القتال ضد الدولة الإسلامية، سوى تعبير عن دعم الدور الكردي على طاولة المفاوضات، أو إذا جرت محادثات سلام جادة.

قالت أليزا ماركوس، الكاتبة والخبيرة في الشؤون الكردية، إنَّ تقديم الولايات المتحدة دعماً عسكرياً دون أي خطوات نحو تأسيس روابط سياسية "يبدو بليداً". وأضافت أن هذا حقيقي خصوصاً الآن بعد تعرُض الأكراد لخسائر فادحة عند طرد الدولة الإسلامية من منبج، وهي مدينة في شمال سوريا حرَّروها مؤخراً، ويُطالَبون الآن بمغادرتها لأنَّ تركيا لا تريدهم فيها.

حزب الاتحاد الديمقراطي

حُرِم حزب الاتحاد الديمقراطي من المشاركة في محادثات السلام السورية التي عُقِدت في جنيف، لغياب دعم الولايات المتحدة، وتتزايد المخاوف الحالية من أن تُبعِد واشنطن نفسها في النهاية عن أكراد سوريا كي تحسِّن علاقتها بتركيا.

قال عثمان مشيراً إلى وحدات حماية الشعب: "تقول الولايات المتحدة نفسها إنَّ هؤلاء هُم أفضل مقاتلين لداعش، هؤلاء هُم أفضل حلفاء. نأمل أن يتمسَّكوا بذلك الرأي ويساعدوهم ولا يتركوهم في النهاية".

تُناقِض الأحداث الأخيرة ما شهده العامَ الماضي، حين بدا أنَّ الأكراد يستغلُّون الاضطراب في الشرق الأوسط من أجل تحقيق مكاسب تاريخية. ففي سوريا، ضمنوا أرضاً ووجدوا في الولايات المتحدة داعماً قوياً. وفي تركيا أسفرت الانتخابات عن وصل حزب سياسي كردي إلى البرلمان للمرة الأولى. وفي العراق، وسط القتال ضد الدولة الإسلامية، استولوا على كركوك، وهي مدينة كانت منقسمة تاريخياً بين العرب والأكراد.

ولكن بعد عامٍ، تضاءلت تلك الفرص. يدفع أكراد العراق، المعزولون نوعاً ما عن الأزمة السورية، نحو طموحاتهم بالاستقلال، غير خائفين من الأزمة الاقتصادية. ولكن في تركيا، استُؤنِفت الحرب التي دامت عقوداً بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية، وعُزِل الحزب السياسي الكردي الرئيسي عن السياسة المحلية. وفي سوريا، أبطل الجيش التركي جهود الأكراد نحو توصيل إقليميهما ببعضهما البعض.

تركيا تقاتل على 3 جبهات

وممَّا زاد من تعقيد الأمور أنَّ الصراع السوري قد أصبح متداخلاً مع الاضطراب المحلي في تركيا. ترى تركيا الآن نفسها وهي تقاتل حزب العمال الكردستاني في 3 جبهات: في تركيا، وفي شمال سوريا، وفي شمال العراق، حيث يختبئ أعضاؤه في الجبال. نتيجةً لذلك، يقول المحلِّلون الآن إنَّه لا يمكن أن توجد تسوية نهائية للحرب الأهلية السورية دون استئناف محادثات السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، الذي يمثل حزب الاتحاد الديمقراطي فرعه السوري.

حتى الآن، ما زال الأكراد يعتمدون على الأميركيين في حجز مكانٍ لهم في دولة سورية مستقبلية.

وقال عثمان: "عليهم أن يساعدوهم سياسياً في أن تكون لهم حقوق في سوريا"، وأضاف أنَّ الأكراد "يريدون أن تتأسَّس سوريا جديدة، يكون لهم رأي فيها".

وقد شرعن الدعم العسكري الأميركي طموحات أكراد سوريا، حتى دون وعودٍ على الجبهة السياسية. وساعدهم هذا على ضمان جزء كبير من الأرض قالوا إنَّهم لن يتخلُّوا عنه أبداً مهما فعل رُعاتهم.

وقال أحمد حاج منصور، المسؤول بحزب الاتحاد الديمقراطي والمقيم في بريطانيا: "كان الأكراد منبوذين على مر التاريخ، ولكن الآن اختلف الزمان والمكان. نحن لسنا بحاجةٍ إلى قوى عظمى كي ننجو، نحن نسيطر على أرضنا ولدينا مقاتلون".

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

تحميل المزيد