كلما تمر أمامي صورة البراء أشرف "رحمه الله " تنتفض إلى ذهني عشرات الخواطر عن قطار الموت الذي يحصد أرواح الشباب، موت الفجأة الذي يفجعنا كل مرة باختياراته العجيبة، وكأنه يصرخ فينا أن لا وقت لدينا، العمر سينتهي في أي لحظة، استغل كل لحظات حياتك في التعلم والبناء الإنتاج والإبداع. مات البراء وهو في عامه الثلاثين دون أن يحقق أبسط الأمنيات ولا نختلف إذا أطلقنا عليها أبسط الحقوق.
لماذا ضنّ العالم على البراء أشرف بتحقيق أحلامه وأمنياته، التي ذكرها في مقاله الشهير "ماذا أنتظر من العالم قبل بلوغ الثلاثين؟"، فوراً رجعت إلى المقال وقرأته مرة واثنين وأكثر، أتفحصه جيداً هل طلب البراء أمنيات كبيرة أو خطيرة كانت ستؤثر علي سير العالم مثلاً؟ دققتُ في أمنياته جيداً.
– هل مسألة فقدان الشخص لوزنه الزائد مسألة معقدة للعالم مزعجة له؟ هل اكتساب الناس لبعض الكيلوغرامات من الدهون موضوع شائك ويحتاج إلى تفهم وقبول من العالم.
كان يريد أن تتفوه ابنتاه باسمه، هل هذه معضلة في رأيكم؟ ما المشكلة التي ستحدث للعالم لو ظلت مليكة وكرمه تنطقان اسمه براء لا بابا؟
"وأريد، لو أنني أرحل عن العالم قبل الذين أحبهم. كنت محظوظاً بحيث لم أجرب فقد الأحبة كثيراً. أخاف هذه اللحظات. أخافها أكثر من خوفي من رحيلي الشخصي، وأرجو لو كان رحيلي سهلاً سلساً بسرعة دون ألم يخصني أو يخص الذين سيملكون وقتاً وقلباً للتألم على رحيلي، وأريد مزيداً من الحكايات ذات النهايات السعيدة".
يبدو أن العالم أكثر حرصاً وبخلاً مما اعتقدنا، ينفذ فقط الأمنيات التي لا تكلفه مجهوداً واختار أن يرحل عنه البراء، والكل يعلم أن رحيله كان سريعاً، وربما لم يكن سهلاً كما تمنى، وترك فينا وفي من عرفه ألم الفقد الذي يخافه ونخافه جميعاً، وبالرغم من معرفتي البسيطة بالبراء بحكم العمل معاً بمبنى واحد لعدة شهور فقط، إلا أن فقده كان له أثر بالغ على الجميع.
والبراء هنا لا يمثل نفسه إنما يمثل جيلاً بأكمله، جيلاً خرج 25 يناير/كانون الثاني 2011 يطلب عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية، جيلاً لو أتيحت له الفرصة كاملة لغيّر العالم للأحسن بالتأكيد، جيلاً فتح عينيه على الحياة ليجد نظاماً بوليسياً عسكرياً مسيطراً على مقاليد الأمور.
تم القبض على البراء في مطار القاهرة ولو علم المسؤولون أنه سيرحل بعد أسبوع، ما غيّر ذلك شيئاً من عقيدتهم في التنكيل بالشباب، يعادون الشباب في كل محفل ويتوددون إلى العواجيز، غالبية المعتقلين والمهجرين من الشباب، المكاتب والمناصب تعج بكبار السن أصحاب الأمراض والأدوية، دائماً تقوم الدول وتنهض بسواعد وأفكار شبابية، ليت عالمنا يعطي الفرصة للشباب مرة واحدة وينتظر النتائج، يميل العالم إلى الأقوياء فقط ولا يحب الضعفاء ولم يكن في صفهم يوماً ما.
من منا لا يرغب في الحكايات ذات النهايات السعيدة، كل منا له حكايته وهمومه وطموحاته ومشروعات مستقبلية يرغب في إنهائها قبل بلوغ الثلاثين أو الأربعين، لو لم يعترضه العالم، بحيلة الساذجة وتعقيداته وأعذاره التي لا تنتهي.
شعور جميل أن نتمنى لأنفسنا ما تمناه البراء لنفسه ونحن مازلنا في معركة الحياة، ويا لحظنا لو تركنا العالم نحقق جزءاً من هذه الأمنيات أو كلها، كم هو عظيم أن تعيش بلا قلق أو نزق، لا حقد ولا حسد، وأن تلغي في مقدمة نشرة الأخبار أعداد القتلى والجرحى وأماكن التفجيرات هنا وهناك وكم سيارة مفخخة تم تفجيرها، أصبح عدد السيارات المفخخة رقماً أهم من عدد السيارات المصنعة حديثاً.
نريد تحقيق أحلام بسيطة جداً لن يفهمها الساسة ولن يستوعبوها، ولو استوعبوها لما مررنا بكل برك الدم التي لا تكاد تجف في الوطن العربي.
نريد أشياء لا تختلف عما أراده البراء لنفسه، ولا ندري متى سيدرك الساسة بساطة ما نريد؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.