لا لعقوبة الإعدام بالجزائر

المطالبة بإلغاء الإعدام ليست مطالبة بتكريس اللاعقاب، فتوجد الكثير من البدائل عن قتل شخص.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/01 الساعة 03:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/01 الساعة 03:58 بتوقيت غرينتش

مع اختفاء ومن بعد اكتشاف الطفلة نهال ذات الأربع سنوات جثة مشوهة بمنطقة واسيف بتيزي وزو، الشهر المنصرم، عاد للواجهة من جديد الحديث عن عقوبة الإعدام والمطالبة بإعادة تفعيلها كحل لمواجهة ظاهرة اختطاف الأطفال بالجزائر.

هاشتاغات، وعرائض، ومنشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، ونداءات لوقفات ومسيرات، حصص تلفزيونية ومقالات صحفية، كل هذا من أجل تقديم الإعدام كحل لاختطاف الأطفال والمطالبة بإعادة تفعيل هذه العقوبة التي تم تجميد تنفيذها، وإن كانت لا تزال تطبق بالجزائر منذ 1993، إلى كل هذا انضمت بعض الشخصيات، والجمعيات والأحزاب السياسية، لمساندة هذا المطلب، منها من قام بذلك عن قناعة، ومنها أيضاً من استغل الفرصة فقط لكسب رضا ومستقبلاً أصوات هؤلاء المواطنين الغاضبين.

وفي وسط كل تلك الضجة، أصوات من هم ضد عقوبة الإعدام بالكاد سمعت، وبالكاد ما وجدت لنفسها منبراً تتكلم منه.
المتتبع لما كان ينشر ويقال في تلك الأثناء يندهش من ذلك العنف المتداول، فتجد أحدهم، رجلاً كان أم امرأة، يطالب بتنفيذ الإعدام في الساحات العامة باستعمال أبشع الطرق والوسائل، حتى إنك لتتساءل هل إلى هذه الدرجة بلغنا من العنف؟ ألم نكتفِ بعد مما سال من دماء في العشرية السوداء التي ليست بالبعيدة؟ وهل ستجد هؤلاء الناس سيسارعون لإمتاع أنظارهم وأنفسهم بمشاهدة قطع رؤوس المجرمين لو استجيب لمطلبهم؟
ممكن أن تلك المطالب وكل ما قيل ليس سوى كلام صادر في حالة خوف وسخط وغضب، لكن الآن علينا أن نتذكر أن القوانين لا تصاغ حين الغضب ولا حتى الهدف منها هو الانتقام من المجرم وتحويل الضحية لجلاد، بل لإحقاق العدل وتصحيح المجرم، الآن بعد انقضاء فترة الغضب والحزن تلك، أليس حرياً بنا أن نبحث عن حلول فعلية لظاهرة اختطاف الأطفال عندنا بعيداً عن العنف بل بطريقة عقلانية، ندرس فيها أولاً أسباب ودوافع هذه الظاهرة وندرس المجرمين المتسببين فيها من كل النواحي. هل يوجد شخص أو مؤسسة بالجزائر يمكنها أن تقدم لنا إحصائيات حول الظاهرة وتجيب عن هذه الأسئلة وتخبرنا عما يشترك فيه منفذو هذه الجرائم وما دوافعهم ومن أية فئة ينحدرون؟

أشك كثيراً في ذلك.

يقول المطالبون بتنفيذ حكم الإعدام إن ذلك سيردع كل من ستسول له نفسه مستقبلاً بالتفكير بالإقدام على اختطاف طفل، لكن إلى أي حد هذا الكلام صحيح في غياب الدراسات لفهم مختطفي الأطفال؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هل سبق للإعدام أن ردع وصد الجريمة في أي مكان من هذا العالم؟ فحالياً 105 دول استغنت كلية عن عقوبة الإعدام و51 دولة منها الجزائر لم تطبق هذه العقوبة منذ 6 سنوات على الأقل، فالدول أصبحت تتراجع يوماً بعد آخر عن عقوبة الإعدام بعد أن رأت أن لا نتيجة إيجابية منها.

المطالبة بإلغاء الإعدام ليست مطالبة بتكريس اللاعقاب، فتوجد الكثير من البدائل عن قتل شخص.
في بلد مثل بلدنا أين يوجد تداخل في السلطات والجميع يندد ليلاً ونهاراً بغياب العدالة، أضف لذلك كون القضاء ليس بالعلم الدقيق فاحتمال الخطأ وارد. والخطأ القضائي الذي ينتهي بإعدام بريء جريمة بحد ذاتها لا رجعة فيها ولا يمكن تصحيحها، فهي تجعل بدل الضحية من الحالات لأناس تمت إدانتهم ومن ثم تمت تبرئتهم عشرات السنين بعد ذلك. في ديسمبر/كانون الأول 2014 صرح "كوامي أجامو" بعد تبرئته بعد أن قضى 40 سنة في السجن بالولايات المتحدة "لقد قتلوا كل أحلامي وآمالي. كنت أريد أن أصبح شخصاً. كنت أريد أن أصبح محامياً. من الممكن أن أكون في مكان باراك أوباما. مَن يدري؟" طبعاً لو أعدم، لما كان له أن يذرف تلك الدموع التي ذرفها بعد تبرئته.

في البلدان التي تطبق حكم الإعدام، أغلب المجرمين "ضحايا" الإعدام هم أناس بسطاء وفقراء، دفعتهم ظروفهم للجريمة وأعجزتهم نفس الظروف عن توكيل محامين للدفاع عنهم للتخفيف من أحكامهم.

علينا أن نتذكر إن نسينا أن المشاكل لا تحل بالعنف والدماء بل بالذكاء والدراسة والحوار، فإن كانت عقوبة الإعدام ستردع خاطفي الأطفال فما هي (العقوبة) في نظر المطالبين بالإعدام لردع ذلك الشاب الذي يضرم النار في جسده وسط ساحات الإدارات؟

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد