لا تظن أن هذا العنوان يحمل أي إساءة لشخص المذيع بقناة صدى البلد أحمد موسى؛ إذ إننا نصوغ ما قاله هو عن نفسه، حين أراد أن يفسر لماذا أغلق حسابه في موقع تويتر.
والقصة بدأت حين عرض "موسى" على صفحته بالموقع استطلاعاً، يطلب فيه رأي الجمهور بشأن ترشيح السيسي لفترة رئاسية مقبلة.
وقبل ساعة من إغلاق الحساب، كانت النتيجة أن 80% يرفضون و20% يوافقون، فأُغلق الحساب؛ لتكون ساعات محدودة هي الفاصلة بين بدء الاستطلاع وإغلاقه.
وهي نتيجة تحمل في طياتها مضامين سياسية، وأخرى إعلامية ومجتمعية تجدر الإشارة إليها سريعاً.
أولاً: ما قد تبنيه في "صدى البلد"، قد يهده غيرك في "تويتر"
في الأولى، شاشة يطل من خلفها "موسى" بالساعات، يضخ على مسامع الناس ما يشاء من أكاذيب، يفتقد الكثير منها للحدود الدنيا من المهنية والموضوعية، يستخف بمشاهديه للدرجة التي جعلته يعرض عليهم مرة، ألعاب فيديو "جيمز"، باعتبارها مشاهد مصوَّرة تدل على جدية موسكو في حربها على "داعش"!
والشاشات عموماً جزء مما يطلق عليه الآن الإعلام التقليدي، وهو إعلام يمكن لأي نظام السيطرة عليه، عبر التحكم فيمن يظهرون عليه ضيوفاً أو مذيعين؛ ليكون واحدة من أهم الوسائل التي يمكن من خلالها تطبيق المقولة الشهيرة لغوبلز، وزير إعلام هتلر حين أوصاه: "اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس".
أما في الثانية، أي موقع تويتر، فهو ككل مواقع التواصل الاجتماعي، يفقد كثيراً من السيطرة عليه، تحاول الحكومات طبعاً، لكنها إلى الآن عاجزة عن السيطرة الشبيهة بالحالة الأولى، حتى إن مجرمي "داعش" لديهم حسابات، يبثون من خلالها صوتهم النشاز، وكل محاولات كتم أصواتهم نهائياً باءت بالفشل.
ثانياً: مَن يكذب خلف الشاشة قد يتهاك عبر تويتر
جمهور الشاشات متلقون فقط، يقضون الساعات مستمعين، وأكبر مشاركة ممكنة لهم عبر اتصالات هاتفية غير مضمونة الحظ في كثير من الأحيان، فهو جمهور -بتعريف المشاركة- عاجز جزئياً، وهو في حالته أمام الشاشة أقرب إلى التلميذ بين يدَي معلمه، أو إلى الميت بين يدَي مغسله.
لكن جمهور تويتر على عكس ذلك، فهم متلقون ومشاركون، يمكنهم الجلوس في أي موقع يشاءون، ضيوفاً أو مذيعين، يستقبلون الآراء، فيشاركون أصحابها إعجاباً أو تعليقاً، ويشتبكون معهم سؤالاً أو نقداً أو سخرية، وهذه الإمكانية في المشاركة متاحة هنا لأبسط المستخدمين، كما هي متاحة لأقدرهم، فلا فضل لتويتري على تويتري إلا بعدد الفولورز!
ثالثاً: التويتريون قادمون وإن طال الزمن
ما سبق ينقلنا لسؤال آخر أهم: إلى أي مدى تعطي هذه النتيجة في الاستطلاع المذكور مؤشراً على حركة المجتمع، أو صوتاً صحيحاً في اتجاهاته؟
بالتأكيد ليست نتيجة معبرة تعبيراً دقيقاً عن حال المجتمع ككل، لكنها في المقابل قد تكون معبرة بدقة عن حال جيل أجياله.
فجمهور الإعلام التقليدي اليوم، الذين لا يجدون ملجأ منه إلا إليه، ينتمي غالبيتهم إلى المتقدمين في العمر، وأكثرهم من عواجيز أهل الدنيا، وهم إما لم يسمعوا بتويتر وفيسبوك بعد، أو أنهم سمعوا، لكنهم غير قادرين عليها.
نبوءات العارفين تشير إلى أن خمسة أعوام مقبلة قد تكتب نهاية الإعلام التلفزيوني؛ ليستوي بعدها حجم تأثيره مع حجم مساحة التأثير التي تشغلها موجات الإذاعة الآن.
لكن الأكيد أن جمهور الإعلام الجديد غالبيته من المنتمين لجيل الشباب، جيل تعلم الحاسب الآلي حين كان يتعلم تناول الطعام والشراب، وهو جيل عايش كثير منه فصول اندلاع ثورة، وفصول انتكاستها.
وهذا يعني في الأخير أن نتيجة الاستطلاع ليست معبرة بدقة عن حال المجتمع في الوقت الراهن، بقدر ما أنها قد تكون معبرة عن حال المجتمع القادم.
لا يدرك "موسى" ومن معه أنهم ينتمون إلى الماضي بقيمه وتعريفاته وتشكيلاته، لكن الثورة ومن معها ينتمون إلى المستقبل بقيمه وآماله وأحلامه، ولم يشهد التاريخ أن ماضياً هزم مستقبلاً، وهو إن حدث، فقد يخطف لحظات، لا تضمن له دورة حياة كاملة، فقد سُمي الماضي ماضياً؛ لأنه مضى.
ولذ فإن جيل "تويتر" سيصل لمراده حتماً، وإن طال الزمن، ذلك أن حركة التاريخ معه، ولأن إعلام غوبلز لم يتمكن من تثبيت أركان دولة هتلر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.