مدن الرياح تتشابه للأسف

اليوم في الوطن الدافئ الحضن، اكتشفت أنه عندما كتب "محمد ولد أمين" روايته "منينة بلانشيه"، لم يكن فقط يجسد انشطار الهوية والانتماء في موريتانيا، بل كان يصور ببراعته نفس الآفة التي يعيشها أهل الكثيب.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/27 الساعة 03:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/27 الساعة 03:43 بتوقيت غرينتش

"أسعدك الله بصباحات أنصاص النصوص، وأنصاف دوائر كلمة كقوس قزح يا سعيد.. امضِ هناك، وسيأتي إليك المساء في المحراب.. لا تتهيأ له، فهو يأتي دون صفارات إنذار! ألم يأتِ المساء، لا تنتظره فهو غالباً يأتي في قت مغاير، سيأتي!"..

ذات صباح من صباحات منفى بارد القسمات، تحاني أبو هديل كعادته بلغة مشفرة؛ حيث رقمنة الحروف وحرفنة الأرقام، تترنح بهمسات الحياة، ووَشوشات الوجد والوجود في أذن إنسان الوبر والكثبان.. مضت سنة على ذياك الصباح، وبعد أن تعبت من انتظار مساء يشهد ذبح شمس النهار العنجهية عقارب ساعته المسمومة، الذي لم يأتِ!.
تركته ومضيت..

اليوم في الوطن الدافئ الحضن، اكتشفت أنه عندما كتب "محمد ولد أمين" روايته "منينة بلانشيه"، لم يكن فقط يجسد انشطار الهوية والانتماء في موريتانيا، بل كان يصور ببراعته نفس الآفة التي يعيشها أهل الكثيب.

وحتى "مدينة الرياح" التي لا يعرف خباياها سوى "موسى ولد ابنو" كانت بها متشابهات مع مدن العدم الحالكة هنا..

قافلة تجار الملح، التي اشترت الغلام "فارا" مقابل لوح من الملح، يأخذه والده، لترحل القافلة إلى عوالمها مستمرة في خط البيع والشراء المستقيم، كالتاريخ الذي صوره "موسى" أنه لا يتقدم إلى الأفضل، بل العكس من ذلك.

هي نفسها قافلة تجار المبادئ، وأمراء الحرب، في الكثيب الكئيب.. هنا السياسيون، يبيعون الوهم والسراب بدل الملح.. والغلام هو هذا الشعب المنهك والمنتهك، ووالده الذي باعه هو هذه القبيلة الغبية والبغية، التي تتنكر لأصولها بالزيف والتفنيد، متمسكة بعصا تاريخ مقطوع من شجرة الكذب والجهل، تهش بها على أبنائها السذج، وتبحث عن "ملح" مكانتها في طبخة المشهد السياسي.. لم يتغير شيء البتة، ما زال التاريخ يعيد نفسه كأسطوانة مشروخة، لا تتغير سوى الأسماء والأماكن، ما زلنا نعيش دونية "جوزيف بلانشيه"، وعقدة الهوية المطموسة، والانتماء التائه.. كما ما زالت آذاننا تترنح من يد نخاس إلى آخر وهي دامية كـ"فارا" الصبي.

وما زلنا نناغي قيامة تبعثنا من مرقدنا، وتخرجنا من كهف القبيلة القاتم.. فلَسوف ستنتهي الانتخابات في وقتها كمسرحية محكمة التمثيل، وستأكل القبيلة ملحها الممزوج بأديم الذل والمهانة، أما "فارا" فعقال عبودية الاستكانة دائمة، ما دامت القبيلة تمشي وفي يدها رمته، كمن يقود هودجاً..

اللواء الخفيف حملته سوافي رياح تلك المدن إلى عالم البهيمية، مشكورة.
اخترت الموت بين طعن القنى، وخفق البنود، بدل العيش ذليلاً تحت حكم بائس، لا يبين مواقع خطوه في دياجير الليل الغربيب.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد