نشرت تغريدة بواسطة الوكالة الفيدرالية الألمانية لشؤون الهجرة واللاجئين قبل عام تماماً، جاء فيها "أن اتفاق دبلن للمهاجرين من المواطنين السوريين لم يعد فعّالاً بشكل ملزم في هذا الوقت"، مع حصولها على 175 إعادة تغريد و165 إعجاباً، فتبدو أن تلك الرسالة ليست من المحتوى الذي يذيع صيته على الإنترنت.
واتفاق دبلن ينص على إعادة اللاجئ إلى أول دولة وصل إليها في إطار الاتحاد الأوروبي.
لكن يقال في ألمانيا إن تلك التغريدة هي الأولى على وسائل الإعلام الاجتماعي التي ستغير مسار التاريخ الأوروبي، حسبما قال تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، الخميس 25 أغسطس/آب 2016.
بالإشارة إلى قانون الاتحاد الأوروبي المنصوص عليه في اتفاقية دبلن عام 1990، فإن التغريدة فُسّرت بأنها كقرار تعليق تنفيذ الاتفاقية الخاصة بالبلد الواقعة داخل كتلة اليورو، حيث يصل إليها اللاجئون كأول وجهة للتعامل مع طلبات اللجوء الخاصة بهم.
في ذلك الوقت من عام 2015، كان هناك أكثر من 300 ألف من طالبي اللجوء قد وصلوا إلى أوروبا عن طريق القوارب وهو رقم أعلى بنسبة 50% مما كان عليه في 2014.
فقدان التحكم السياسي
رغم أن تدخل الوكالة الألمانية بالتغريدة لم يكن شعلة البدء بكل تأكيد، فإن ألمانيا باتت الوجهة الأولي المختارة بالنسبة للسوريين الذين كانوا يهدفون للتوجه نحو بلدان أخرى في أوروبا مثل السويد التي عرضت اللجوء لأجل غير مسمى بالنسبة للسوريين في هذا الوقت.
كما خلقت انطباعاً بالارتباك وفقدان التحكم السياسي والتي كانت حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تكافح لاستعادته. بعد 12 شهراً، كان السياسيون والمسؤولون في الجهاز البيروقراطي في برلين يحاولون معرفة كيف نشرت تلك التغريدة.
وقبل 4 أيام، أرسلت أنجليكا وينزل وهي المسؤولة الحكومية التنفيذية في المفوضية العليا للاجئين المعروفة في ألمانيا باسم BAMF، أرسلت بالبريد الإلكتروني مذكرة داخلية بعنوان "قواعد تعليق اتفاقية دبلن للمواطنين السوريين" إلى المكاتب البالغ عددها 36 مكتباً في البلاد، مشيرة إلى أن السوريين الذين تقدموا بطلبات الحصول على حق اللجوء في ألمانيا لن تُعاد أدراجهم مرة أخرى حيث كانوا طالما دخلوا إلى الأراضي الأوروبية.
وأشار المحامون الذين يعملون عن قرب مع المفوضية العليا للاجئين أن ذلك لم يكن – كما زعم البعض – يصل إلى الوقف الكامل لاتفاق دبلن في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، إذ إن تلك الاتفاقية تعطي الدول الأعضاء الحق في تولي طلبات اللجوء من الدول الأعضاء الأخرى.
تسريب المذكرة
مع فشل القنوات بين المسؤولين والصحفيين في تحديد الأمر حتى الآن، تم تسريب المذكرة الداخلية لوينزل إلى الصحافة. بينما أشار التحقيق الذي أجرته مجلة "دير شبيغل" الشهيرة إلى أكبر مجموعة مناصرة للهجرة في ألمانيا، برو آسيل، كمصدر للتسريب، مع ادعاء المنظمة غير الحكومية أنها لا تعلم بأمر المفكرة حتى أبلغوا عنها بواسطة الصحفيين.
وقال كامسيمليان بيشل، المستشار السياسي القانوني لمنظمة بروآ سيل، إنه أحد المحامين الذين تلقوا الكثير من الاتصالات المحيرة من BAMF هدفها الضغط على المنظمة لتوضيح موقفها بشكل علني، ما أوصل الموقف لذروته في نهاية المطاف ووصفه "دي تسايت" مؤخراً بأنها "تغريدة مصيرية".
انتشرت التغريدة أكثر بالانتقال من شخص لآخر أكثر من انتشارها عن طريق إعادة التغريد، انتشرت الرسالة بين اللاجئين الذين كانوا يتجهون لأوروبا أو ينتظرون في المخيمات بالفعل.
"في الوقت الحالي الأمر يتمحور حول بلد واحدة هي ألمانيا" قال مهندس نفط سوري لـ"الغارديان" وهو في طريقه خلال البلقان بعد أيام قليلة. وأضاف: "أين البقية؟ ألمانيا فقط؟ ميركل فقط".
إنها ستجلب المراكب لإنقاذنا
وانتقل خبر التغريدة بين السوريين ما ضخم من معنى وأهمية التغريدة الحكومية. في مقابلة مع مواطن سوري أفاد: "لقد قالت إنها ستجلب المراكب الكبيرة من تركيا لإنقاذ اللاجئين السوريين!".
حتى منتصف أغسطس/آب 2015، كان هناك أكثر من 150 ألف لاجئ مسجلين في المجر. بعد تغريدة BAMF، رفض الكثيرون القيام بنفس الفعل ورفعوا هواتفهم في وجه ضباط حرس الحدود.
وأعلن السفير المجري لدى ألمانيا بعد أيام قليلة من التغريدة أن الشرطة الصربية وجدت الآلاف من جوازات السفر على جانب حدودها.
عندما دعا السفير المجري وزارة الداخلية الألمانية، قال مسؤولون إنهم لم يكونوا على دراية بالتغريدة. وقالت وزير الداخلية الألمانية توماس دي مازسييري في مؤتمر صحفي في اليوم التالي إن تعليق اتفاقية دبلن "ليس أمراً ملزماً بشكل قانوني"، ولكن هو أقرب إلى "توجيه لممارسات الإدارة".
فقدت السيطرة
بعد أسابيع قليلة، قدم رئيس BAMF، منفريد شميت، استقالته "لأسباب شخصية"، رغم أن كثيراً من الأوساط تفترض أن أجبر على القيام بذلك بسبب كشف وكالته فقدان الحكومة السيطرة السياسية.
لكن بعد مرور عام، فإن العواقب طويلة الأمد للتغريدة بدت ظاهرة بشكل أوضح. في أبريل/نيسان، كشفت المفوضية الأوروبية عن انتهاكات واسعة لاتفاقية دبلن، التي طالما تعرضت للانتقادات من قبل محامي حقوق الإنسان لدفعها العبء الرئيسي لطلبات اللجوء نحو البلدان الأكثر فقراً في محيط الاتحاد الأوروبي مع حماية الدول الأعضاء الأغنى والأكثر ثراء.
تقول مصادر مقربة إلى BAMF أن التغريدة لم تقصد أن تنسف القانون المكروه، ولكن كإجراء تنظيمي للطوارئ، يحرر الوكالة من البيروقراطية الإضافية قبل أن يتمكن من التعامل معها.
وفقاً لجيرالد كناوس، المسؤول الأولي للاتفاق التركي مع الاتحاد الأوروبي ورئيس مركز أبحاث مبادرة الاستقرار الأوروبي، فإن التغريدة لم تقصد الإشارة إلى تغيير كبير في السياسة ولم تكتب من قبل كبار صناع السياسة.
لقد توقفوا بالفعل عن إرسال السوريين
قال كناوس: "إن الرسالة تعتبر تحصيل حاصل، لقد توقفوا بالفعل عن إرسال السوريين مرة أخرى من حيث جاؤوا ولكن لم تضع في الاعتبار كيف سينظر إلى هذا الأمر. لقد أفادت بأن أي شخص يصل إلى ألمانيا يمكنه البقاء. لم يكن قرارا جديداً ولكنها أرست إشارة".
وراء الكواليس حينئذ، قال كانوس إن المسؤولين الألمان ينقسمون بين أولئك الذي يشيرون بضرورة إرسال اللاجئين مرة أخرى إلى المجر وموافقتهم على غلق الحدود الألمانية، وهؤلاء الذي يرون أنه من المستحيل لوجستيا وغير مبرر من الناحية الأخلاقية. بعد أسابيع قليلة، عندما قرر الآلاف من السوريين الذهاب من المجر إلى النمسا ثم ألمانيا، اختارت ميركل الاختيار الأخير.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.