عندما يعودون

فلا أقدر أن أشبه مولاي خادم الحرمين الشريفين إلا كمن أطلق سرباً من الحمام الزاجل إلى الفضاء الفكر والتنمية والتطور الرحب؛ ليعودوا إليه بعد ذلك محملين بكل ما هو جديد لبناء مستقبل سعودي واعد، ولكن هل هناك ما يستوعب أعداد هذه الأسراب بعد عودتها إلى أرض الوطن وإلى أحضان من أطلقها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/25 الساعة 00:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/25 الساعة 00:06 بتوقيت غرينتش

ما البرامج والخطط المطروحة عندما يعود المبتعثون للخارج؟ هذا السؤال أصبح محط أنظار وجدل الباحثين التنمويين والاجتماعيين السعوديين عندما يطرح لمناقشة عودة الخريجين السعوديين من الابتعاث وفق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث؛ لكونه قراراً استراتيجياً غايته تلبية الاحتياج الكبير لهذا الوطن من المؤهلين علمياً، تماشياً مع الانطلاق الواسع لعدد من المشاريع التنموية الضخمة، كالمدن الصناعية وزيادة الجامعات الأكاديمية داخل المملكة.

فلا أقدر أن أشبه مولاي خادم الحرمين الشريفين إلا كمن أطلق سرباً من الحمام الزاجل إلى الفضاء الفكر والتنمية والتطور الرحب؛ ليعودوا إليه بعد ذلك محملين بكل ما هو جديد لبناء مستقبل سعودي واعد، ولكن هل هناك ما يستوعب أعداد هذه الأسراب بعد عودتها إلى أرض الوطن وإلى أحضان من أطلقها.

فبعد إمعاني المتكرر حول هذا الموضوع تبين لي بأنه إشكالية كبيرة قد تكون تبعاتها ذات عواقب سلبية على الناتج المحلي وهدر لما استُنزِف من ميزانيات على الابتعاث في حال عدم التخطيط المسبق لعودة هذه الأفواج من الخريجين فما هي البرامج والخطط المطروحة لهم "عندما يعودون؟".

ومن خلال ما تقدم اجتهدت في أن أبذل جهدي في طرح حلول وأفكار تقضي على العشوائية التي تعيق الخريجين الشباب من الخارج عند عودتهم إلى أرض الوطن، وكذلك الخريجون من الداخل لمزاولة مهامهم، فلو تم الأخذ بها سوف نتمكن من تفادي هذه الكارثة المستقبلية من خلال عدة أفكار ضرورية تطبق على أرض الواقع:

الطرح الأول:

لا شك أن ابتعاث الشباب استثمار مكلف في مجال القوى البشرية، مما يتطلب من وزارة التعليم العالي والوزارات ذات الصلة التنسيق لمتابعة مخرجاته ضمن خطة عمل استراتيجية تضمن تحقيق البرنامج لأهدافه التنموية مستقبلاً، وإلا أصبح استثماراً خاسراً، ويكون هذا من خلال إنشاء المراكز البحثية ذات البحث التوقعي لما قد يكون في المستقبل القريب من خلال النتائج والمعطيات الملموسة حالياً، وهذا متبع لدى الكثير من دول العالم، ونفتقر إليه في مملكتنا الغالية، فلو وُجد هذا النوع من البحث والتخطيط التنسيقي لمتابعة الخريجين بعد عودتهم لتقييم تجاربهم في الابتعاث في مجال تخصصاتهم وتوظيفهم، كل حسب تخصصه، نكون اجتزنا 50% من هذا التحدي.

الطرح الثاني:

الموازنة في قبول واستيعاب أفواج الخريجين من الثانوية العامة والجامعات المحلية، وبين خريجي الابتعاث من قبيل مؤسسات التعليم العالي والجهات المعنية بالأمر، خصوصاً أن خريجي الابتعاث تعودوا على أسواق عمل تختلف استراتيجيها عن أسواقنا ووضع مسارات لإعدادهم ولتهيئتهم لسوق العمل المحلية، مع تطويرها حسب ما لديهم من أفكار جديدة اكتسبوها في الخارج، في ظل الانتباه لأثر احتمالية عدم استمرار الابتعاث بشكله الحالي، ما لم توجد الآليات والخطط المسبقة لتفادي الضغط جراء كثرتهم وتكدسهم دون استغلالهم، مما يؤدي بهم إلى الهجرة، وهم يعتبرون في هذا الحال مهيئين لبرامج الهجرة التي تطرحها الدول الكبرى ذات الهوس بالكوادر الشابة والمؤهلة وزهيدة الأجر، أي نصبح كمصانع لتوريد الكفاءات بالمجان.

مما يجعلني أطرح فكرة إعارة خريجي الابتعاث والكفاءات النادرة أو ذات التخصصات الحساسة.. إلخ، إلى الجهات الدولية أو الدول الراغبة فيهم في حال اكتفائنا، أو في حال لم تهيأ لهم الفرص لدينا بشكل مناسب؛ لكي لا يتكدسوا دون جدوى، فينتهي بهم الحال إلي الإحباط ونسيان ما اكتسبوه من خبرات، ويكون ذلك من خلال تعاقد مزدوج مع المبتعثين أنفسهم ومع الجهات الراغبة فيهم من قِبل الحكومة السعودية، فيكون استثماراً قوياً لما استثمرنا فيهم من قبل، خصوصاً أن المبتعث السعودي أثبت جدارته في كافة الميادين التي تخصص بها، مما جعل أنظار العالم تتجه إليه بعدما شهدنا في الآونة الأخيرة كثرة المبدعين والمخترعين من المبتعثين السعوديين في الخارج حتى في وكالة ناسا الفضائية في الولايات المتحدة الأميركية، بشرط أن يكون تعاقداً محدود المدة، وهي المدة التي من خلالها تكون الجهات المعنية بالأمر تعد العدة لتهيئة المكان المناسب لهذا التخصص النادر لتثبيت قدراته.

ويكون في نفس الوقت قد تمكن المبتعث الخريج المعار فترة جيدة في التدريب، والتأقلم في بيئة عمل جيدة، فيرجع لأرض الوطن وهو في جاهزية كاملة للاستفادة من وجهة نظره فيما تعده الجهات المعنية بالأمر من تجهيزات، وأنا على يقين بأن هذا هو الاستثمار الصحيح من العائق الذي سوف تواجهه المملكة العربية السعودية من عودة الخريجين في حال عدم توافر الوظائف المناسبة لهم، أو عدم جاهزية سوق العمل لهم.


الطرح الثالث:

وجود خلل في وظائف المهن الوسطى، ويرجع لعدم وجود المؤسسات المتطورة التي من خلالها تواكب مشكلات سوق العمل الحالية لدينا، والتي تعد برامجها بدائية مثل برامج المعهد الملكي المهني الصناعي، ناهيك عن المراكز المهنية الأخرى التي تهيم في تيار مخالف وغير مواكب للحاجة الفعلية لسوق العمل، مما دفع إلى سد حاجة المهن الوسطى والدنيا بالعمالة الوافدة المفتقرة إلى أبسط المهارات اللازمة فيكونون كسد منيع أمام أبناء الوطن الراغبين في العمل.

وهذا ما يجعلني أطرح لكم فكرة تأسيس شبكة عملاقة من المراكز المهنية مرتبطة ببعض بهيكلة جديدة متطورة تواكب احتياجات سوق العمل العالمية، ومنتشرة في كل المناطق الإدارية السعودية والمدن الاقتصادية والمالية، تعمل على تهيئة المناخ والمكان لكل مستفيد بعد تطبيق البرامج التأهيلية للراغبين، وتوسعة نطاق هذه المراكز بحيث تشمل التخصصات غير المهنية، وإلزامها بعقد الزمالة مع الجهات والمراكز المشابهة لها في الدول الأخرى التي أحرزت تطوراً جباراً في هذا المجال.

الطرح الرابع:

توسعت مجال المشاريع الإنمائية الشبابية بما يسمى المشاريع الصغيرة، لكن ليس كما هو معروف الآن بالشكل التقليدي، وإنما مُنحت صبغة تعتمد على استغلال التخصصات العلمية والأكاديمية وخبرات الجديدة، مثل دعم مشاريع المختبرات التحليلية وفق المتطلبات الدولية أو دعم الورش الفنية الإلكترونية وصيانة المعدات الطبية الإلكترونية "الإكلينيكية" وهي شبه نادرة لدينا محلياً وإقليمياً، مما يقودنا فيما بعد إلى التصنيع، ويجعل منا دولة صناعية في مجال مرغوب ومحتكر لدى دول معينة.

بعد سردي هذا لكل ما تقدم أعتقد أن تطبيق مثل هذه الأفكار أمر ليس بصعب، وهو حل لكثير من المعضلات التي سوف نواجهها عندما يعود أبناؤنا الخريجون من الخارج وعندما يطالب خريجو الداخل بحقوقهم.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد