* ملامح شباب تونس:
حياة كل تنظيم في حياة شبابه، ولذا تستثمر كل التنظيمات والأحزاب والجمعيات وغيرها من أشكال التنظم في الشباب إعداداً وتكويناً وتقويماً.
ويعتبر الشباب في تونس، بما هو شريحة مجتمعية، حالة خاصة بكل ما في الخصوصية من معنى، خاصة إذا استحضرنا مراحل الحكم التي مرت بها البلاد، وما اقتضت كل مرحلة من تطورات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية بالغة التأثير في أفكار الشباب.
وكخلاصة سريعة يمكن أن نقر بأن ملامح الشباب في تونس قد انتهت إلى ما يلي:
– عدم القدرة على استيعاب المتغير السياسي كل مرة، وهذا راجع أساساً إلى هشاشة التكوين والوعي السياسيين في ظل حكم القهر والاستبداد والوصاية الذي شهده الشباب بأبرز تفاصيله قبل الثورة.
– اليأس من كل أشكال التنظيم وسحب الثقة منها، وهذا ما عسر على الأحزاب والمنظمات وغيرها مهمة استيعاب الشباب وتنظيمه وتأطيره.
– اليأس من المستقبل في ظل تعاقب تجارب الحكم وعدم الاستقرار السياسي الذي أنتج رجات اقتصادية تبلغ درجة العنف أحياناً.
– الانشغال بالخلاص الذاتي في مقابل ضعف الانتماء الجماعي.
تعتبر هذه المقدمات ضرورية لفهم شريحة من الشباب المنظم في تونس، وهو شباب حركة النهضة، بوصفه الأكثر تنظيماً والأكثر قابلية للدراسة.
* بين حركة النهضة وشبابها:
لا يخفى على متابع كون حركة النهضة من أكثر الأحزاب التونسية متابعة للشباب ومراهنة عليه، يأتي هذا من الفجوة التي انتهت إليها الحركة وعانت منها بعد أكثر من عقدين من الحجر والتغريب والتهجير ومن السعي إلى الاستدراك ما سمح الوسع.
كما لا يخفى أيضاً نجاح الحركة في كسب تنظيم خاص من الشباب سواء في الجامعة أو خارجها، لكن هذا النجاح النسبي لا يبدو مستقراً إذا تأملنا موقع الشباب من اتخاذ القرارات الحاسمة ثم موقفه منها.
هناك لحظات مهمة عبرت بوضوح عن موقع الشباب من صياغة قرارت الحركة، ولعل حملة #اكبس التي أطلقها شباب حركة النهضة صيف 2012 من اللحظات التي عبرت بوضوح عن استجابة الحزب لأصوات شبابه وتطلعاته، ولعل اعتصام الشرعية صيف 2013 من اللحظات المهمة والدالة أيضاً على شباب يصوغ موقف الانتصار للشرعية الانتخابية بكل جرأة وتحد وإن خرج للاعتصام فئات أخرى لا نغفل عنها.
إلى هنا يبدو الحزب في تفاعل إيجابي مع شبابه، لكن النظر في لحظات لاحقة يمدنا بملاحظات تدل على تطور في العلاقة بين الحركة وشبابها.
أولى هذه اللحظات انتخابات الرئاسة في دورتها الثانية ديسمبر 2014 بين الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي وسابقه منصف المرزوقي. لقد كشفت هذه اللحظة عن ارتباك وغموض في علاقة الحركة بشبابها، حيث فوضت الحركة في شخص رئيسها الشيخ راشد الغنوشي الاختيار إلى ضمائر أبنائها، إذ لم يكن للحركة قدرة على توجيه التصويت نحو مستقبل علاقاتها في الحكم الذي يمثله الباجي قائد السبسي مرشح حزب نداء تونس الفائز وقتها في انتخابات البرلمان، ولئن لم تفصح الحركة عن مصالحها الاستراتيجية وقتئذ فإن الشباب انصرف في الاختيار عكس تلك المصالح منتصراً لمن اعتبره مرشح الثورة، أي منصف المرزوقي.
تولد عن هذه اللحظة من عدم الانسجام التنظيمي بين الحركة وشبابها لحظة ثانية من جنسها، وهي لحظة صياغة الائتلاف الحاكم بقيادة نداء تونس، وهذه لحظة تعتبر موجعة جداً في مسيرة الحركة بعد الثورة، إذ لم يخف الشباب رفضه دخول الحركة في ذلك الائتلاف لما رآه من تمثيل حزب نداء تونس للوجوه التجمعية من جهة والوجوه اليسارية الانتهازية وربما الاستئصالية من جهة أخرى، ورغم هذا الغضب الموجع انصرفت الحركة إلى ما اعتبرته مصالح استراتيجية، أي قبول شراكة غير متكافئة في الحكم.
نأتي الآن إلى لحظة ثالثة دالة بوضوح أكثر من السابقتين على قدر من اعتباطية العلاقة بين الحركة وشبابها، وهي لحظة المؤتمر العاشر للحركة مايو/أيار 2016.
لم يكن خافياً منذ الإعلان عن تاريخ المؤتمر حرص قيادات الحركة بصفة رسمية أو غير رسمية على مشاركة الشباب في المؤتمرات التمهيدية المحلية ثم الجهوية ثم المؤتمر العام، لكن نتائج المؤتمر الهيكلية من حيث تمثيل الشباب في مؤسستي الشورى والتنفيذي لم تكن في مستوى انتظارات الكثير، إذ لم يتجاوز نصيب الشباب من الشورى 20 عضواً من مجموع 150 عضواً، ولعل هذا المعطى، إلى جانب معطيات أخرى، مما حفز على تزكية الشاب زياد العذاري وزير التكوين المهني والتشغيل في حكومة الحبيب الصيد إلى منصب أمين عام الحركة.
* شباب النهضة: مشكل أم حل؟
المتابع القريب لما يجري بين الحركة وشبابها بعد المؤتمر يفهم تواصل مسلسل التوتر في العلاقة، ويمكن رصد مصادر التوتر هذه المرة من زوايا مختلفة:
– اتجاه الحركة في مراجعاتها وتراجعاتها الفكرية والهيكلية نحو مقتضيات الحكم غافلة عما يقتضيه جسم الحركة الداخلي من معالجات، والشباب عضو مهم ضمن هذا الجسم.
– تخبط مؤسسات الحركة إلى الآن في التعامل مع ملف الشباب، حيث لم توفق الحركة في ابتكار هيكل قادر على استيعاب الظاهرة الشبابية بكل تقلباتها وتغيراتها.
– عجز المؤسسات الرسمية للحركة عن التعبير عن تطلعات الشباب وخياراته المستقبلية.
– تآكل قدرات الحركة على استقطاب الشباب، خاصة من حيث الرموز والأعلام، بما يضمن القدوة الحسنة القادرة على جمع الشباب من حولها، فبعض شيوخ الحركة الآن لم يعد لهم ذات الحضور التاريخي في وجدان الشباب ولو كان رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي، وهذا ما دفع الشباب النهضوي نحو فرز قدوات جديدة له.
– تعقد خطاب الحركة وتورطه في البراغماتية السياسية التي يقتضيها الحكم، وهذا ما جرده من القدرة على إنتاج الفكرة الواضحة والمشروع المعبر عن قناعات الشباب.
– اتساع الفجوة بين ما ينتظره الشباب من الحركة وما تريده منه.
– الارتجالية المفضوحة في برامج الحركة تجاه شبابها حتى صارت بعض برامج التكوين والتأطير غير مفهومة وغير مستوعبة من قبل الشباب، وتالياً غير ذات جدوى.
– انسحاب الحركة من مساحات اجتماعية خدمية كثيرة ومن دوائر المواقف الثورية، وهذا ما خلق فرص إعجاب شباب الحركة وانبهارهم بقادة الأحزاب المحسوبة على الثورة، بل ودفع القليل منهم إلى الالتحاق بها.
– تأثر مكاتب الشباب المحلية منها والجهوية وصولاً إلى مركب مونبليز بالخلافات التي تحصل كل مرة بين قيادات الحركة أو أذرعها على غرار الفرز الذي تعمق في صفوف الشباب قبيل المؤتمر العاشر للحركة مايو 2016.
لقد بوأت، إذن، هذه التوترات الشباب موقع المشكل في ذاته وضمن نسيج الحركة الهيكلي بعد أن كانت نوايا الحركة تتجه في استثمار الشباب نحو صناعة حل لا خلق مشكل.
* في البدائل:
سنت حركة النهضة في مارس/آذار 2014 سُنة في مشاورة الشباب وهو الاستفتاء الداخلي الذي قامت به الحركة آنذاك "النهضة تستفتي أبناءها"، ولعل هذه السنة دليل على تفعيل الحركة مبدأ الشورى بكل ما يقتضيه من اعتراف ومحاورة وتواصل.
يعتبر التواصل بالنسبة إلى ما وصلت إليه الحركة الآن مع شبابها من هزات التوتر أساس الحلول، منه تنطلق وإليه ترتد. فلا بد إذن من أن تعيد الحركة التواصل مع شبابها والتعرف إليه بعقله وتطلعاته وواقعه الذي يحياه، وبكل ما يلزم من قنوات تواصل تستوعب الشباب نوعاً وكماً.
ولا مهرب أيضاً من أن تخلق الحركة فضاء هيكلياً قادراً على استيعاب شباب الحركة وشباب تونس عامة وإلا ستتجه البراغماتية السياسية بالحزب نحو الشيخوخة المبكرة التي كاد يدخلها لولا فاعلية بعض العناصر الشابة ضمن نسيج الحركة، ولا يكفي هذا فحسب، بل على الحركة أيضاً أن تؤسس الشورى بينها وبين شبابها بما يضمن سلامة الجسم ويحافظ على مكتسباته.
ومما نراه من الحلول الاستراتيجية هو تقريب الحركة أفكارها ومشاريعها من شبابها الذي لا يزال يعاني الوعي الضبابي بأفكار الحركة، ولا يكون هذا ولن يكون إلا بمراجعة الحركة زاوية النظر إلى الشباب بالتراجع عن الزاوية التاريخية التي تصور الشباب شباباً رسالياً يحمل أسفاراً ربما لا يعي متونها إلى زاوية الاستيعاب والتشريك التي تبوئ الشباب مكانة التفكير والتخطيط والقيادة والإنجاز.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.