“رابعة”.. قصة العشق المقدس للحرية

"رابعة" كانت وما زالت امتداداً للحلم العربي الذي اشتعل فتيله في تونس الخضراء، وزاد توهجاً في تحرير مصر، وعنونت سلميته في شوارع صنعاء، وأدميت في ليبيا ومدن سوريا. اختزلت الحكاية وكتبت قصة الزوايا المظلمة الخلفية للتآمر، قصة الخوف الذي اغتالته جرأة الحرية وكبلته أشواق المستقبل.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/15 الساعة 07:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/15 الساعة 07:07 بتوقيت غرينتش

رابعة قصة الحلم واغتيال الحلم، ميدان رابعة، ومذبحة رابعة، وشارة رابعة، ثلاثية تستوجب التوقف والمراجعة الذاتية، فهي تؤرخ للحظة زمنية وجيل ثوري وتجربة جديدة لم نمنح الزمن الكافي للتحميص، ما بين ميدان التحرير الثورة وميدان رابعة المذبحة قصة (7 المولود) الممتد على أفق الحلم حتى المذبح بسكين من يفترض أن يرعاه، وما بين الولادة والموت زمن متخم بأحداث كثيرة ووقائع متواترة وشخوص حضروا وغابوا تستوجب منا الإنصاف في الشهادة والتأني في إصدار الأحكام.

رابعة اليوم أيقونة عالمية، ونص تاريخي، يستوجب قراءتها قراءة نقدية عميقة وحضارية بناءة ليست ملكاً لأحد، ملك كل حر وثائر على ظهر هذا الكوكب، تصطف إلى خانة الثورات الكبرى التي غيرت مجرى التاريخ الإنساني الكبير، ومنحته إلهام الإرادة والقوى والانتصار، ثورة تنصر للقيم الإنسانية الكبرى وحقوق الإنسان الحر الذي يستوجب الحماية والمناصرة والتمتع بحقوقه الطبيعية، الأمر الذي يستوجب منا الخروج من دائرة النواح والبكاء إلى دائرة التشريح والقراءة الحضارية للأحداث.

من الخطأ الكبير في حق رابعة وشهدائها الأبرار أن نحول رابعة إلى يومية سريعة من يوميات البكاء الشيعي الكربلائي، ثم نمضي إلى حال سبيلنا، دون القدرة على تحويلها لأيقونة جديدة للثورة وموجة جديدة من موجات التحرر الإنساني والبشري، سمفونية ثورية خالدة تصبغ الوعي والخطاب والسلوك والممارسات والمقولات اليومية بطبعها الثوري.

في رابعة كانت بداية الجريمة العربية الكبرى بحق الربيع العربي، التي فتحت الباب لشتاء قارس يغتال كل شتلات المعاني والقيم الإنسانية التي زرعها الشباب ورواها بدمه وبروحه، جريمة ستظل ممتدة الأثر في مسيرة التاريخ العربي والعالمي على حد سواء، جريمة استحضرت كل بشاعة التوحش الإنساني في لحظة ارتكابه للجريمة، واشتملت على أقسى وأبشع ما يمكن أن يرتكبه الإنسان بحق الإنسان، جريمة ما زالت صدمتها لم تفارق مَن عاصرها وعايشها، وما زالت تتفاعل في كل محفل عالمي حر، فهي ما زالت بعد مضي ثلاث سنوات من المذبحة بلا عقاب، حيث القوة العسكرية تستعصي على العقاب والامتثال للشرعة الدولية.

– تذكّرنا لـ"ربعة" لا يعني بحال من الأحوال تسديد سهام نقدنا للمؤسسة العسكرية المستبدة التي اغتالت الحلم وأفسدت معنى الثورة، والتي تمتلك من الغباء المركب ما لم تمتلكه طبقة عسكرية تاريخية عبر تاريخ العرب؛ بل يجب أن نسعى للمطالبة بمحاسبة المعتدين على حقوق الثوار في الميدان أمام قضاء شعبي محلي وعالمي ثوري يليق بعنوان التاريخ، وعنفوان الثورة، تنقصنا الخبرة الكافية في الانتصار لقضايانا الإنسانية العادلة، واستيعاب أدوات الصراع العالمي في مثل هذه القضايا بحيث نجعلها حدثاً يومياً وعالمياً لا ينتهي زحمه، تطارد الظالمين في كل لحظات حياتهم، "رابعة" ليست أقل عدالة من الهولوكوست، أو غيرها من المجازر التي ارتكبت بحق الثوار، وعرفت العدالة طريقها إلى حياة الضحايا والقصاص إلى رقاب المجرمين.

– في يوم رابعة انتصرت أسماء البلتاجي وأخواتها من أساتذة الحرية وعباقرة الكرامة، تحولت رابعة إلى أيقونة الانتصار ونشيد الحرية وشارة للنضال والزمن الجديد.. وبرز فئران الثورة المضادة مذعورين كالحة وجوههم كأنهم رؤوس الشياطين تطاردهم اللعنات، وترعبهم الشارات والشعارات، وتخيفهم صيحات الأطفال التي تبحث عن الزمن الكريم.

رابعة.. معركة لم تنتهِ.. فصولها مفتوحة لم تغلق.. شذاها حلق في السماء، مزهراً ربيعاً عالمياً في الملاعب الرياضية والساحات العامة والمنتديات والجامعات والعالم الافتراضي، فأصبح رعباً في الممالك المحنطة وهلعاً في الدول المتآمرة، تراهم يتخبطون كالذي أصابه مس، يجاهرون بالعداء كالمسعور.
فالكلمة التي تنتصر لـ"رابعة" مدانة وشاراتها محرمة.

"رابعة" قصة تختزل الحالة العربية الرخيصة، أموال وخبراء وعملاء ودمار ومحكمات وأحكام مجنونة ودمار وخيانة لإسكات رابعة، لكن هيهات فهي قصة العشق المقدس للحرية، ورواية التحرر العام في العقول والنفوس، تولد كل لحظة في جغرافيا متعددة في تركيا أردوغان وغزة المقاومة والعزة والانتصار، تولد في كل زاوية وشارع وبيت، تولد كل ليلة في شوارع مصر وصواريخ القسام وفيسبوك الأحرار العالميين وتقارير المنظمات الحرة والقنوات الأصيلة.

"رابعة" كانت وما زالت امتداداً للحلم العربي الذي اشتعل فتيله في تونس الخضراء، وزاد توهجاً في تحرير مصر، وعنونت سلميته في شوارع صنعاء، وأدميت في ليبيا ومدن سوريا. اختزلت الحكاية وكتبت قصة الزوايا المظلمة الخلفية للتآمر، قصة الخوف الذي اغتالته جرأة الحرية وكبلته أشواق المستقبل.
لم يكن ميدان رابعة ساحة احتجاج ضد تآمر عسكرة الحلم وتحالف المال العاهر والقوة الساقطة وكفى، بل كان رحلة جميلة لاستعادة الحلم وشوقاً طفولياً لأم غائبة.

– إنها قصة الزمن الجديد والعهد الجديد الذي نراه في الواقع في عيون الأطفال وفي القيم التي تشق تراب الأرض، الرواية التي أوشكت فصولها على الخاتمة، خاتمة الحرية وسقوط الطغيان.

"رابعة" ستنتصر.. والحرية لن تموت، والدماء القانية ستصبغ وجه العالم بالكرامة.. وبراءة الشهداء ستكتب الخاتمة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد