“رابعة” ملحمة الكرامة والإرادة الحرة

5. من يا ترى يتجرأ على محو ذاكرة ملحمة الأبطال، في موقعة انتصر فيها الدم على السيف؟ من يا ترى هذا الذي بلغت وتبلغ به الوقاحة أن يدين الضحية ويصفق للجلاد؟ حتماً هو من معسكرهم يبطش لبطشهم ويدق طبول الحرب لإبادتهم ويغني راقصاً وجاثماً على محرقة الإنسان.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/14 الساعة 07:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/14 الساعة 07:22 بتوقيت غرينتش

1. حيثما كان الارتقاء حل السقوط، وحيثما حلت الإبادة حلت الشهادة، وحيثما انفضح الانبطاح تعالت الهمم محلقة ومتسلحة بالأمل.

2. هي قوانين الكرامة التي تسطر بدماء أصحابها وبصيحات أصوات الشرف والعزة وبثبات الحق على الحق، وهي امتحان الكلمة الصادقة والموقف الشجاع وحب الخير للإنسان وللوطن.

3. حين تحل نوازل المحن، وتدلهم الخطوب، ويتواطأ كل متثاقل إلى الأرض على الراغبين في بلوغ العلا حياة ومماتاً.

4. حين تنطق الجثث بلغتها وتدوم كلماتها وقد ذبت فيها الحياة، حين يكشر الجبان عن أنيابه ويسخر زبانيته وأشباه رجاله؛ لينقضوا على كل الأحرار فيعبثون بالأجسام والأفهام والأقلام، ويأبون إلا أن لا يجعلوا "الهولوكوست" واقعة فريدة في التاريخ، بل متكررة هنا وهناك من أرض الطهر الشاهدة على الجباه الصادقة والدماء الزكية والأصوات المبحوحة والعائلات المهاجرة إلى حيث الكرامة التي طهرت هذه الأرض من كل دنس، ونقلت للعالم مشهداً نادراً لا يستطيع المخرجون أن يعيدوا تصويره أو تركيبه، حينها اعلم أن ساعة النصر آتية ولو بعد حين.

5. من يا ترى يتجرأ على محو ذاكرة ملحمة الأبطال، في موقعة انتصر فيها الدم على السيف؟ من يا ترى هذا الذي بلغت وتبلغ به الوقاحة أن يدين الضحية ويصفق للجلاد؟ حتماً هو من معسكرهم يبطش لبطشهم ويدق طبول الحرب لإبادتهم ويغني راقصاً وجاثماً على محرقة الإنسان.

6. من يا ترى أقحم عنوة في معجم اللغة قاموس الاختلاف على الجرم والنكاية الحاقدة على الضحية والتغطية على الوحشية بعنوان "وجهة نظر".

7. من يا ترى قمع دموعه ليصرفها في مشهد درامي يصدره إلينا عبر حلقات تلفزيونية يتيه فيها الزمان والمعنى والواجب ويتقن من خلالها "فن البكاء"، بينما يجفف ينابيع دموع الإنسان فيه على إبادة الإنسان بآلته التجفيفية الحاقدة؟

8. من يا ترى أدان القتل وتوارى مختبئاً حتى لا يدين القاتل؟ من يا ترى تعرت عورات مكنوناته الدفينة في لحظة قتل الأمل والوطن والإنسان، ليفتح أبواب العاصمة لـ"هولاكو" مرحباً به وقد زين له الطريق بأفرشة الدماء اليابسة وجثث أبناء الوطن المحترقة، وهو حتماً سيكون الجثة القادمة التي ستطأ عليها أقدام هولاكو وجيشه، بعدما تنتهي مسيرة الجثث المفروشة، فـ"هولاكو" لا يتقن المشي سوى على الجثث، ويفهم الترحيب جبناً واستسلاماً، ولا يضم إلى صفه سوى الأوفياء له الذين يتقنون معجم الدم وقاموس القتل ولغة النفي والإقصاء.

9. التحمت ملحمة الثبات والصمود مع محرقة الجبن الوحشي لتصنع لنا تاريخاً ورمزاً ليس بمقدور أحد أن يزيلهما من خارطة الذاكرة والقيم.

10. أن يعقد الرجل والمرأة والابن والشيخ والشاب والفتاة العزم على الرحيل إلى أرض يخطون بها وعليها ومنها الموقف فتلك أم الملاحم.

11. أن تنحني الجباه لتعلو الأرواح راجية ربها أن يفرغ عليها صبراً ويثبت أقدامها، بينما الجرافات تتقدم، والقناصة يحضرون مقام القتل، وسيد الجبناء يردد كلمات التهديد والوعيد فتلك عروس الملاحم.

12. أن يواجه الدم الرصاص، والحجر المتناثر الخراطيش القاتلة، ووسائل الحماية المتلاشية الجرافات الزاحفة، وصيحات الإغاثة أصوات الطلقات النارية الكثيفة، ونسائم الصباح النقية الغازات الخانقة، فاعلم أننا أمام قمة الملاحم.

13. أن تكون هذه الملحمة الفريدة التي سجلها شهداء الصمود وأبطال الثبات خطاً دفاعياً على أمة بكاملها معتقلة في قرارها وإرادتها، فذاك وسام عظيم لا يناله إلا أصحاب السمو والرفعة الذين يشهد لهم التاريخ وتشهد لهم الجغرافيا وذاكرة المفاهيم والقيم والأمة، أنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلاً، منهم من قضى نحبه شهيداً شامخاً كالأشجار التي لا تموت إلا واقفة، ومنهم من ما زال على طريق الثبات على الحق، وثباته هو الحياة بعينها لأمة ولشعب ولمبدأ لا محيد عنه ولا تنازل: سمو الإرادة الشعبية العامة بدون تحريف ولا تحوير ولا تبرير ولا إجهاز… ومنه حياة لربيع أمة لن يموت ولو كره المستبدون والظالمون وقتلة الإنسان والإرادة الحرة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد