الشعب التركي: لن نعود لزمن الانقلابات من جديد

كان ما حدث بمثابة منعطف تاريخي في تاريخ التدخل العسكري في السياسة التركية، إذ كان ما أعطاه الشعب التركي لمدبري الانقلاب سيظل درساً لا ينسى للدول الأخرى في العالم التي تواجه خطر تدخل الجيش في السياسة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/18 الساعة 11:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/18 الساعة 11:58 بتوقيت غرينتش

كانت ليلة مأساوية، ومصيرية، وأظهرت العديد من الأشياء عن الشعب التركي، وعن شجاعته، وتفانيه والتزامهم بالديمقراطية.

شهدت تركيا أكثر من انقلاب ومحاولة انقلاب عبر تاريخها، إذ كانت الديموقراطية متقطعة في البلاد في عدة مناسبات نتيجة لتدخل الجيش في السياسة. دفع الشعب التركي ثمناً باهظاً خلال فترات التدخل العسكري تلك.

عام 1960، جاء القبض على الآلاف وإعدام رئيس وزراء البلاد وبعض الوزراء ليظهر الوجه الحقيقي لتلك التدخلات العسكرية في الجمهورية التركية.

منذ ذلك الحين وفي عدة مناسبات أخرى، وتحديداً في أعوام 1971، و1980، و1997، وأخيراً في محاولة حديثة عام 2007، قام الجيش أو حاول السيطرة على حكم البلاد. وبعد كل محاولة من محاولات الانقلاب هذه، كان الشعب التركي يتفاعل مع هذا التدخل في إرادته من خلال تصويته بأغلبية كبيرة لأحزاب وسياسيين ممن حاول الانقلاب اقصاء رأيهم عسكرياً.

عارض الجمهور التدخل في إرادته السياسية، ولكن في الفترة التي تفصل بين الانقلاب والانتخابات الأولى التي تليه، عاشت الديموقراطية التركية أحلك أيامها، إذ اعتُقِل الآلاف ومنِعت الحقوق الأساسية للشعب. كانت تلك التجارب بمثابة الصدمات الكبرى للشعب التركي.

هذه المرة، لم ينتظر الشعب التركي أو يضيع الوقت. مساء الجمعة الماضية، عاشت تركيا إحدى أكثر الليالي مصيرية في تاريخها. بحلول المساء، ومع تزايد التواجد العسكري في المناطق الرئيسية، مثل جسر البوسفور وميدان تقسيم، وتحليق الطائرات المقاتلة على ارتفاع منخفض في أنقرة، بدأت الشائعات تنتشر مشيرة إلى محاولة أفراد الجيش السيطرة على قناة TRT الرسمية.

بعد ذلك بفترة قصيرة، ظهر بيان على القناة ذاتها يؤكد أن الجيش يسيطر على البلاد حالياً، وأعلنوا عن تطبيق الأحكام العرفية وحظر التجوال، وهي من بين القرارات الأساسية في أدبيات الانقلابات تاريخياً، ودائماً ما كانت تلك القرارات تمثل أول خطوتين في جميع الانقلابات العسكرية في تركيا.

على الرغم من ذلك، وبعد ذلك الإعلان بوقت قصير، بدا واضحاً أنه رغم أن هناك فصائل من الجيش تطبق النهج نفسه، إلا أن الشعب التركي كان مختلفاً عن أسلافه في العقود الماضية.

في البداية، وحتى قبل ذلك البيان، ظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدرم على شبكات اخبارية مختلفة وذكروا أن مجموعة من الجيش تحاول السيطرة والانقلاب على الحكم ودعوا الشعب للنزول إلى الشوارع والدفاع عن الديمقراطية وعن الحكومة.

وفي غضون وقت قصير، بدء الآلاف في التدفق إلى الميادين الرئيسية في المدن التركية حاملين أعلام بلادهم، قبل أن تصدر جميع الأحزاب السياسية الكبرى في البلاد بيانات رافضة للتدخل العسكري. وبعد ذلك، أصبح الوجه الحقيقي للتدخل العسكري أكثر وضوحاً، إذ أشارت الأخبار في البداية إلى احتجاز رئيس أركان الجيش من قِبل عسكريين، ثم بعد ذلك، صرح قائد الجيش الأول التركي بأن محاولة الانقلاب يقودها فصيل من الجيش، ليتضح بعد ذلك أنه فصيل تسلل إلى الجيش من "الدولة العميقة". في الأيام الأخيرة، كانت هناك بعض الشائعات حول تحقيق قانوني بحق هذا الفصيل.

تزايد رد الفعل الشعبي على هذا الانقلاب بحلول منتصف الليل. وعلى الرغم من هجمات مدبري الانقلاب على المدنيين وعلى مبنى البرلمان، رفض الأتراك مغادرة الشوارع ووقفوا دعماً لحكومتهم المنتخبة ديموقراطياً. ومع الساعات الأولى من الصباح، أصبح من الواضح أن المجموعة الصغيرة التي دبرت الانقلاب بدأت تستسلم للشعب ولقوات الأمن التركية. مساء السبت، بينما كنت أكتب هذا المقال ظهرت بيانات تؤكد أن محاولة الانقلاب قد أُحبِطت بالفعل.

وعلى الرغم من أن التقارير أشارت إلى استمرار وجود خطر جزئي، إلا أن الشعب التركي والسياسيين حققوا إنجازاً كبيراً حتى الآن أدى إلى انتصار الديموقراطية وهزيمة محاولة الانقلاب. كان ما حدث بمثابة منعطف تاريخي في تاريخ التدخل العسكري في السياسة التركية، إذ كان ما أعطاه الشعب التركي لمدبري الانقلاب سيظل درساً لا ينسى للدول الأخرى في العالم التي تواجه خطر تدخل الجيش في السياسة.

أظهرت تركيا للجميع أن الطريقة الأفضل لحماية المدنيين من سيطرة الجيش هي من خلال إيمانهم بالديمقراطية والتزامهم بحماية الحكومة التي انتخبوها. خلال الأعوام القليلة الماضية، ظهرت تقارير تشير إلى محاولات انقلاب واعتبرها البعض مبالغة، في حين أن تلك المحاولة الأخيرة تؤكد أن تلك الإدعاءات لم تكن تخلو تماماً من الصحة. كانت الديمقراطية التركية تحت تهديد تدخل عسكري محتمل على يد فصيل من الجيش.

كانت ليلة مأساوية، ومصيرية، وأظهرت العديد من الأشياء عن الشعب التركي، وعن شجاعته، وتفانيه والتزامه بالديمقراطية. كان كل منهم رجل الدبابة، وتحمل كل منهم المسئولية وتحلى بالشجاعة، ليظهر مدى قوة الشعب.

لقى العشرات منهم مصرعهم وأًصيب آلاف آخرون، إلا أنهم لم يتركوا الشارع، ووقفوا ضد الحكم العسكري، وضد الشبكات والمجموعات غير الشرعية ليدافعوا عن حريتهم، وحقوقهم، ومستقبل بلادهم وأبنائهم. لقد فتحوا صفحة جديدة في تاريخ الديمقراطية التركية، وقالوا لن نعود من جديد. كانت الرسالة واضحة. في المستقبل، سيسجل التاريخ ليلة 15 يوليو/تموز كأحد أهم نقاط التحول في تاريخ الديمقراطية التركية.

هذا الموضوع مترجم عن صحيفة DAILY SABAH التركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد