يُعتبر استبسال الشعب التّركي حُكومة وشعباً من معارضي أردوغان ومسانديه في الذود عن وطنهم أمام انقلاب الجيش على السلطة، درساً بكل المقاييس لكل سياسيّي العالم..
جزء مهم من هذا الدرس ترويه آراء المعارضة ودعمها للشرعية ورفضها اعتلاء ظهر الدبابة لمسك دواليب الحكم، حيث وضعت كل خلافاتها مع أردوغان جانباً ووقفت إلى جانب الديمقراطية التي حُرِموا منها لسنوات، والتي ذاقوا من خلالها ويْلات حكم العسكر لفترات متباعدة، والتي كان نجم الدين أربكان آخر ضحاياه في مشهد أليم للأترك آنذاك في سنة 1997..
اليوم ومع محاولة بعض الجنرالات الأتراك الفاشلين استغلال دعم بعضِ دول المنطقة، وبعضٍ من اختلاف الرؤى في السياسات الخارجية لحزب العدالة والتنمية الحاكم.. تنزل نهائياً آخر فصول محاولات التشفي والتثبت في أسطورة قوة الاقتصاد التركي، الذي سمع عنه العالم كثيراً لكنه لم يُختبر بمثل هذه الطريقة سابقاً..
تأثيرات الانقلاب على المنطقة..
لا يخفى على متابعي الأحداث في منطقة الشرق الأوسط دور تركيا الاستراتيجي في تخطيط سياسات بعض الدول هناك بالنظر لمكانها المحاذي بؤرَ التوتّر في سوريا، الذي زاد دورها أهمية، خاصّة وأنها المَمر الأهم لكل الداخلين والخارجين منها وإليها.. أمام ذلك يصبح الانقلاب في تركيا أشبه بحدث شعبي يهُم الجميع دون استثناء وليس فقط الأتراك، ويصبح خلاله أمن تركيا هو أمن كل من يحاذيها ومحدّد لكل سياسات الدول هناك.
ولعلّ التأثير الأهم والأبرز بعد الانقلاب هو علاقات تركيا المُستقبليّة مع من اختلفت سياساتها سابقاً معهم في تحديد مصالحها واياهم، خاصة وأن البعض يرجّح امكانية مساهمتهم في تمويل الانقلابيين داخل الجيش التركي واختراق استخباراتها من خلالهم..
لماذا فشل انقلاب جيش تركيا ونجح في مصر؟
أحال مباشرة فشل الانقلاب الحاصل في تركيا في الليلة الفاصلة بين 15 و16 تـمـوز/ يوليو 2016، ذاكرةَ أغلب المتابعين على انقلاب يوليو 2013 في جمهورية مصر العربية، وعن ماهيّة وأسباب نجاحه في القاهرة وفشله في إسطنبول رغم تشابه الانتقال الديمقراطي في البلديْن!..
الإجابة على هذا السؤال يراها البعض تكمن في الخيارات السياسية الخارجية لكل من قيادة البلديْن ابان حكم مرسي وقتها وحكم أردوغان اليوم، حيث يرى البعض أن الأول لم يستعد للحكم من ناحية التأهيل السياسي لمسانديه ومسؤوليه ولم يُحصّن نفسه بالدرجة الكافية من الخونة وأصحاب المصالح المزدوجة عكس الثاني الذي ناور ومهّد واحتاط قبل أن يخوض تجربة حكم بلد عانى ويلات الانقلابات لفترات عديدة ومتباعدة، هذا اضافة للاختلاف الجوهري في النوايا، الدهاء و"اللّعِبْ على الحبْلَيْن" للمعارضة والاعلام في مصر، عكس الوعي الوطني لمعارضي السلطة في تركيا، الذين خالفوا هناك حكم الدبّابة وتشبّثوا بخيار المعارضة الديمقراطية الوطنية التي تخاف على مصالح بلدها قبل مصالحها الحزبيّة..
هذا بطبيعة الحال دون نسيان خبرة وتجربة حزب العدالة والتنمية التركي في الحكم مقارنة بتجربة نطيره المصري "الإخواني" في مصر الذي جعلت منه السجون في شبه حالة تصحّر على مستوى المعاملات السياسية مع الخبث الاعلامي والسياسي الحاصل آنذاك، وعدم تحْيِين طرق التعامل مع مخاطره..
تركيا ما بعد الانقلاب..
بعد الانقلاب الفاشل للجّيش على حكم أردوغان سيقتنع معارضو أردوغان قبل مسانديه أن حكم هذا الأخيرهو الأقوى في تاريخ تركيا الحديثة، رغم اتهام البعض لها بتمويل الإرهاب، إضافةً لبعض من التهم الأخرى التي ساهمت بؤر التوتّر السورية الليبيّة من حِدّتها، كما سيفهم البعض من السياسيين الفاشلين العرب سبب عدم نجاحهم في كسب ثقة شعوبهم، وعدم قدرتهم على حماية أوطانهم من شر الانقلابات الدموية على غرار ما حصل ويحصل في مصر وموريتانيا وغيْرهما.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.