صادَق مؤخراً نواب البرلمان المغربي بالإجماع على مشروع قانون الصحافة الجديد وسط تضارب آراء بين مؤيد ومنتقد، وتأتي المصادقة على هذا المشروع بعد أن أثار الكثير من الجدل. الجانب الرسمي ممثلاً في وزير الإعلام، مصطفى الخلفي، أشاد به معتبراً أنه جاء بعدة مكتسبات من بينها إلغاء العقوبات السالبة للحرية وتعويضها بغرامات مالية، والاعتراف القانوني لأول مرة بحرية الصحافة الإلكترونية.
القانون المعتمد إلى حد الساعة في الصحافة يتضمن ثلاثين عقوبة حبسية، فيما مشروع القانون الجديد، وإن ألغى العقوبات السالبة للحرية، إلا أنه استثنى ثلاثة محاور كبرى تتعلق بالملكية والإسلام والوحدة الترابية والمنصوص عليها في الدستور، وهي ما يصطلح عليه بالثالوث المحرم.
نقابة الصحفيين في المغرب طالبت في وقت سابق الحكومة بسحب القانون الجنائي العام الذي وضعته وزارة العدل من البرلمان بسبب ما يتضمنه من بنود تعاقب الصحفيين بتقييد حرياتهم وسجنهم؛ حيث اتهمت النقابةُ الحكومةَ بعدم الالتزام بتعهداتها بإلغاء العقوبات السالبة للحرية من الجسم الصحفي، وذلك بتعمدها نقل معظمها من مشروع قانون الصحافة والنشر إلى القانون الجنائي (القانون العام).
وزير الإعلام المتحدث باسم الحكومة استعرض في مؤتمر صحفي موضوع مشروع قانونه على أنه نصر تحقق بعد سنوات من العمل، ومن خلال تتويجه بموافقة بالإجماع داخل البرلمان، واعتبره خطوة هامة نحو الديمقراطية والحرية في عمل الصحافة، وأن ما على الصحفي اليوم سوى العمل والاجتهاد من أجل نقل المعلومات بأمان وفضح عمليات الفساد وكشف الاستبداد الذي وعد الحزب الإسلامي الحاكم قبل أن يصير حاكماً بإسقاطه، ليجد نفسه وقد سقط في لعبة المخزن (النظام)، وصار أكثر "تمخزناً" منه.
الواقع أن حرية الصحفي لا تزال مهددة بالاعتقال والسجن، وهي مقيدة بتوصيات عليا تفرض عليها في آخر المطاف، إما الإذعان لإرادة السلطة الحاكمة، وهنا يحضر جانب الدعم الحكومي الذي تتصرف فيه السلطة الوصية ممثلة في وزارة الإعلام وتستفيد منه مؤسسات صحفية فيما تحرم أخرى رغم استيفائها الشروط القانونية، أو اختيار الاستقلالية ومزاولة المهنة وفق التقاليد المتعارف عليها عالمياً، وبالتالي المغامرة بكل شيء، وعلى هذا الأخير حينها توقع كل ما هو أسوأ من مضايقات لرجال الأمن في الشارع العام، وعلى مرأى الجميع ومن دون سبب، أو المحاكمة أمام القضاء في ظروف لا تضمن سيراً قانونياً للعدالة والحرمان من الدعم الحكومي أو حتى من بطاقة الصحافة، أو توجيه تهم ثقيلة قد لا تخطر على البال.
ونحن نكتب هذا المقال نستحضر في ذهننا قضية اعتقال الصحفي علي أنوزلا، رئيس تحرير موقع "لكم"، الذي وجد نفسه في غياهب السجن تحت طائلة تهمة تتعلق بالإرهاب، ولولا تحرك العالم الحر لكان مضطراً لقضاء سنين طويلة خلف القضبان مع "الإرهابيين" الحقيقيين.
وقبل يوم واحد على مصادقة البرلمان على مشروع قانون الصحافة، صدر حكم مخجل في حق الزميل رئيس تحرير موقع "بديل" حميد المهدوي، بسبب مقالة ذكر فيها أن وزير العدل والحريات تلقى تعويضات مبالغاً فيها، وإن كانت العقوبة التي حددت في أربعة أشهر جاءت موقوفة التنفيذ، إلا أنها تظهر مستفزة للجسم الصحفي وللمدافعين عن حرية التعبير كونها تزامنت، كما ذكرنا، مع عرض قانون الصحافة على البرلمان، وكأن الجهة الرسمية ابتغت بعث رسالة مفادها الاستهانة والاستخفاف بمهنيي القطاع الذين يخوضون حرباً ضروساً مع وزارة الإعلام، فضلاً عن أن الغرامات المالية التي فرضت على المهدوي بعد قضيتين سابقتين تمثل محاولة لإنهاك قدراته المالية ودفعه للرضوخ.
إن القانون الجديد للصحافة، وعلى الرغم من الإشادات المبالغ فيها من طرف الوزير المعني، يبقى رجعياً ولا يواكب تطور وسائل الصحافة والمتغيرات التي فرضها تقدم العصر على ثقافة الحريات وحقوق الإنسان، كما أنه لا يواكب ما وصله العالم المتقدم في هذا المجال، زد على ذلك حالة التنافي التي حدثت بسبب تعارض ما قيل إنه سحب للعقوبات السالبة للحرية من قانون الصحافة، وما جرى تضمينه في القانون الجنائي من عقوبات حبسية ثقيلة ضد الصحفيين، وقد كان في إمكان من شرعوا هذا النص (يُقصد القانون الجنائي) عدم التطرق للشأن الصحفي ما دام أنه صار يتوافر على قانون خاص به.
أما عن "الثالوث المحرم" الذي أبقى بخصوصه قانون الصحافة الجديد على العقوبات السالبة للحرية ضد الصحفيين المخالفين، بدعوى المقدسات الدستورية، فإن هذه المجالات الثلاثة المحرمة وهي الإسلام والملكية والوحدة الترابية، يبقى النص بخصوصها فضفاضاً، خاصة أنه جرى استرسالها في مادة عقابية واحدة، ما يفسح المجال لتفسيرها كما اقتضت الحاجة، وبالتالي قمع حرية الصحفي بالشكل الذي يشفي الغليل؛ حيث إن مزاولة أي شكل من أشكال النقد أو التطرق لمجال من المجالات الثلاث وفق أي فلسفة أو رؤية مخالفة للتوجيهات العليا الرسمية قد يقود صاحبه إلى السجن بعقوبة قد تصل إلى ثلاث سنوات مع النفاذ.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.