لستَ مجبراً أن تكون مثقفاً جداً لتعلم معنى التطرف، فمنطلق امتلاك شخص لفكرة أو مجموعة من الأفكار يؤمن أنها صالحة تماماً لكي تكون منهاجاً للحياة، هو المعنى البسيط للتطرف..
لدينا الكثير من هؤلاء الأشخاص الذين نراهم في حياتنا اليومية، بمختلف مرجعياتهم السياسية، الاجتماعية أو الدينية، و يمكن أن نصف الشخص أو الجماعة بالتطرف حينما يستخدم ما يؤمن به كأيديولوجية لكل شؤون الحياة
ويحاول فرضها على الآخر.
لدى كل شخص منا فرد من عائلته يفرض فكرة يؤمن بها على سائر من يشاركونه البيت مثلاً، كأن يمنع دخول أي حيوان أليف للبيت، هذا شكل مبسط
وأليف لمعنى التطرف.
يمكن أن يكون هذا التطرف معقداً إن تعلق بالدين، ويمكنه أن يكون أكثر تعقيداً إن تعلق بالمذاهب والمناهج لهذا الدين..
هذا الشخص يفقد السيطرة على التمييز بين ما هو نسبي بطبيعته ويتعلق بأمور الدنيا، وبين ما هو مطلق ويتعلق بأمور العقيدة. بعيداً عن النمط التقليدي حول رجال الدين المتطرفين، وبعيداً عن تطرفهم في مجالات تخصصهم ألا يمكن أن نجد رجال سياسة، أعمال، أطباء، إعلاميين متطرفين دينياً؟
بلى، من المؤسف أنهم موجودون، بكل بساطة لأن التكوين الأكاديمي لا يصنع الفرق، التكوين الاجتماعي من يفعل ذلك.
في المجتمع العربي عموماً نجد أمثالا كثيرة لشخصيات متطرفة دينياً من كل المجالات، منهم من يكتم تطرفه ليظهره في اللحظة والمكان المناسبين، ومنهم من يجهر به مستفيداً من موقعه كشخصية معروفة..
هذا الصنف الأخير يمثل النموذج السيئ في مجال عمله، فلنضرب بذلك مثالاً لإعلامي مشهور، رسالة الإعلام تكمن في نقل الصورة أو الصوت أو كلاهما معاً للمشاهد بكل حيادية وترك له حرية الفهم والحكم، وهذا هو المنتظر من إعلامي كفء يخدم بلده و يهتم لنهضته بتنوعه الثقافي والديني والأيديولوجي، ليس المنتظر منه أن يذكر المشاهدين لأوقات الصلاة وفضل الدعاء.
مشكلة جماعة الإسلام السياسي، أنها تضع نفسها كأيديولوجية بجانب الليبرالية
والشيوعية والاشتراكية، في حين الأديان السماوية ليست أيديولوجيات، ولكنها عقائد، علاقة بين الإنسان وخالقه.
لا يمكن أن تتحقق الحرية بوجود ذرة تطرف عالقة بأركان هذا الوطن، غير ذلك لا يمكن أن نحلم بنهضته أبداً. والمطالبة بالحرية المطلقة تعكس جهلاً تاماً لمعنى الحرية، ببساطة لأن الحرية بطبيعتها مقيدة، معظم المفكرين والفلاسفة في مقدمتهم "سارتر" أجمعوا أن الفرد كائن حر يعيش وسط قيود، ما إن يتحرر منها حتى يصطدم بحرية الآخر، وهذا معناه أن تتحول الحياة إلى غاب وحالة من الفوضى، لذا فإن الحرية ضرورة للوجود الإنساني، لكنها مقيدة بالإطار الاجتماعي والنظام القانوني والذوق العام.
التطرف في بلادنا لن ينتهي بالقمع أو بالوجود الأمني، لكنه سينتهي بالتأكيد حين يرتفع مستوى الوعي عن طرق خطة بعيدة المدى، على المستوى التعليم، الخطاب الديني والإعلام. بذلك ستتغير قضايانا وسيهتم الفرد بنهضة الإنسان عوض نهضة أفكاره.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.