أخذتُ ورقة وقلماً وأردت أن أكتب، فأبى القلم أن يطاوعني في الكتابة، أعدت المحاولة، استجمعت أفكاري ووضعتها أمامه؛ ليستعين بها في الكتابة، فلم أنَل منه بشيء مما أريد، وقد أمسك مداده وزاد عناده وتحجر في مكانه، استغربت من أمر لم يحدث لي معه من قبل، وهو الذي كنت من قبل إذا أسررت له بخاطرة أو أطلعته على أمر سارع ليكتبه، بل مدني بأفكار لم تكن خطرت لي على بال، فما عساه اليوم قد استعصى على الكتابة، خاطبته قائلاً: ما بك؟ لماذا لا تكتب؟ هل عدمت مواضيع للكتابة؟ فالمستجدات كثيرة.
تكتب وتقترب إلى السياسة يقولون عنك خائناً، عن شيء واقعي ولكن يمس كرامة ذلك الشيء الكل سيطاردك كأنك فأر بين القطط والكلاب الشرسة، تكتب عن الحب، سيقولون عنك مراهقاً وعقليتك لم تكتمل بعد، وتكتب عن نفسك يقولون عنك إنك محب لذاتك ونفسك، وعن غيرك…!
كثير هي الوسائل التي تباع بهم الأحلام والأوهام للمواطن القروي البسيط، فكم من حلم باعه سياسي لمجموعة من الناس بلسانه، مستعملاً أسطوانته المسلحة بكلمات.
من الواضح أن هناك الكثيرين من يختارون الكتابة في الجرائد كحل ليقولوا ما يدور في خواطرهم، وعما يحسون به من أحاسيس، حزن وشوق… لترتاح النفس ويطمئن القلب قليلاً.
لسنوات عديدة ونحن ننتظر ونحلم بوطن جوهرة، التي صورتها في عقلي وفي مخيلتنا منذ الطفولة، حلمنا بالمغرب، بلد بدون مشاكل، حلمنا بانتهاء مشكل الصحراء المغربية واسترجاع سبتة ومليلية المحتلتين من الإسبان، حلمنا بطرق معبدة ومستشفيات مملوءة بالأدوية، مدارس في كل مكان ولا فرق بين المدينة والقرية والمركز، شواطئ تحصل على لواءات زرقاء وحدائق؛ حيث يلهو الأطفال، وملاعب رياضية للشباب، وقاعات يملأ فيها الشباب أوقات الفراغ.
طرقنا كل الأبواب إلا باباً واحداً ينتظرنا بفارغ الصبر لكي ندير مفتاحه ونخلصه من تراكمات السنين، إنه باب قلوبنا التي ملأناها بالكره والحقد والكراهية وحب المال والشهوات، ينتظرنا لنخلصه من هذه الأخلاق الذميمة، ونملأه بالحب والخير والتسامح والعمل الصالح للوطن، ينتظرنا لنعود للسكة الصحيحة، ونسلك طريق الصواب، ونمشي بخطى ثابتة؛ لنصنع أمجاداً تفتخر بها الأجيال القادمة.
لا مجال لتدخين المخدرات والسجائر والجوانات؛ حلمنا أن نجلس في المقاهي لنناقش المواضيع الجدية بعيداً عن صراعات البارصا والريال وميسي ورونالدو ومن يستحق الكرة الذهبية في كل سنة.
كان أملنا كبيراً أن نرى أحزاباً سياسية جادة تفي بوعودها وتنفذ برامجها التي أصبحت موضوعية، وتخلت عن السطحية، ومنتخبين كل همهم خدمة الوطن والصالح العام دون البحث عن المناصب والحصانة البرلمانية، ورؤساء جامعات يساهمون في التنمية.
حلمنا بإذاعة وتلفزة تعرفنا بالإنتاجات الوطنية بدل المسلسلات التركية والمكسيكية… وبرامج تناقش الأحداث بجدية وحيادية بعيداً عن الحزازات الضيقة والانتماءات السياسية.
حلمنا بفيلم مغربي يتوّج ومسلسل يترجم لكل اللغات العالمية… حلمنا بجامعات لها مصداقية وترتيبات متقدمة عالميا، بتعليم قوي يخرج علماء ودكاترة ومهندسين في جميع الميادين، ولا عطالة بعد انتهاء الدراسة الجامعية، لا مطالب بالتوظيف المباشر وكل النفوس راضية.
حلمنا بمعلم ينطبق عليه قول الشاعر كاد أن يكون رسولاً، لنقف له احتراماً وتبجيلاً، وموظف يقوم بواجباته ويخدم المواطنين و"عطيني قهيوة" من الإدارات مختفية، حلمنا بالرياضة الوطنية متألقة في كل المحافل الدولية، حلمنا بكل روح رياضية، حلمنا بلاعبين ينتقلون من البطولة الوطنية للبطولات الأوروبية ويصلون للنجومية، حلمنا ببطولة احترافية ولا وجود للتصريحات النارية التي تتهم بالبيع والشراء في المباريات المصيرية، وبجمهور بعيد كل البعد عن الأعمال الهمجية، تخيلنا أنفسنا نحضر المباريات بصحبة عائلاتنا ونعود فرحين دون سماع كلمات نابية.
حلمنا توفي يا شباب الوطن… حلمنا بكل النفوس صافية، فتيات محترمات وشباب مسؤولين، لا معاكسات في الشارع ولا حديث عن الحريات الشخصية.
حلمنا بوجوه بشوشة تتسابق مع بعضها لإلقاء التحية؛ لا وجود للمتسولين والمتشردين ولا شباب في راس "لدرب" يراقب المارة وبيده لفافة حشيش أو قرقوبية.
طرقنا أبواباً عديدة أملاً في أن يفتح ذاك الباب الذي توجد وراءه السعادة والهناء؛ لندخل ونترك وراءنا كل التعاسة والشقاء، بدلنا أحزاباً بأخرى ورموزاً بأخرى، كلهم مروا من هنا كالمنشار، وذبحوا كل الأحلام الوردية، مر قطار الأحلام السريع واستيقظنا على كل مظاهر الريع، فساد في كل مكان، حوادث قتل واغتصاب ونهب للمال العام، ولبس الأنذال ثوب الأبطال، وصار الحر في هذا الوطن غريباً، وصارت القيم والأخلاق عيباً، واللحية في وجه الشخص شبهة، والعري والخمر تحضراً وتمدناً.
حتى لا أطيل عليكم والتكلم بكل صراحة هناك الكثير للكتابة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.