رمضان لا يغيرنا

صيامك كغيره من العبادات بينك وبين خالقك، لن يضر المجتمع إن أديتها أو امتنعت عنها، لكن طريقة تعاملك تؤثر على الناس وعلى محيطك، فقبل أن تتم فريضة الصيام تذكر أن الدين هو المعاملة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/08 الساعة 05:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/08 الساعة 05:52 بتوقيت غرينتش

جاء شهر رمضان، الشهر الذي يحظى بمكانة خاصة لدى المسلمين، وإذا ما سألت عن تعريفهم له لن يترددوا في القول بأنه شهر الرحمة وشهر الخير وشهر المحبة والتسامح والمغفرة، والغاية منه هي الإحساس بالفقير والجائع وتوحيد المسلمين، والكثير من العادات والعبادات والقيم الجميلة.

شهر بهذه المواصفات يفترض أن نشعر كأننا نعيش شهراً من الجنة على الأرض، نعيش في سكينة وحب ووئام، ولكن للأسف فرمضاننا يختلف عن هذا، فما أن يحل حتى نوقن بأن تعريف رمضان يمكن حصره ببساطة في أعصاب تُشد وإسراف، فرمضان الذي ننتظر هو رمضان العبادة، لكن رمضان الذي نعيش هو رمضان العادة، فالغايات التي فُرض من أجلها رمضان لا تتحقق في غالب الأحيان، فمثلاً جميل أن تحس لأيام معدودات بمن لا يجد ما يسد رمقه، لكن إذا كنا نشاركهم لحظات الجوع والعطش في نهار رمضان، ولا يكون لهم نصيب من موائدنا الممتلئة ليلاً، فكيف سنتذكرهم بعد رمضان؟ وماذا سيضيف لهم صيامنا؟ فهم ليسوا بحاجة لمن يشعر بهم بقدر ما هم في حاجة لمن يساعدهم.

أما الامتناع عن الأكل والشرب لساعات طويلة طواعية يفترض أن يعلمنا القليل من الصبر والقدرة على التحمل، لكن ما يحدث في الواقع عكس ذلك، ففي رمضان ينفعل الناس أكثر وتزداد العصبية وتصل في أحيان كثيرة للسب والشتم والتشابك بالأيدي، فيكاد يكون من المستحيل أن تتجول في شوارعنا قبيل الإفطار أو أن تقصد بعض الأماكن المزدحمة دون أن تشهد مشادات بين الناس.

في رمضان يقبل الناس على العبادات والطاعات أكثر من الأيام العادية، وهو شيء إيجابي، فتمتلئ المساجد، لكن للأسف حتى مساجدنا تشبهنا، فيصعب أن تجد صفوفاً متراصة، أو أحذية مرتبة في مدخل المسجد، بل حتى النظافة التي تعتبر شرطاً أساسياً في الصلاة تغيب في أغلب الأحيان، فبدل أن تنشغل بالصلاة تنشغل بكيفية التخلص من الرائحة المنتشرة بالمكان.

ومن العادات المزعجة التي انتشرت في مساجدنا هي البكاء بصوت مرتفع أثناء الدعاء، والتأمين على بعض الأدعية التي تحرض على الكراهية والتفرقة وغيرها من السلوكيات التي تفقد المصلي خشوعه، وتفقد الصلاة قدسيتها.

وكما يتسابق الناس لدخول المسجد، يتسابقون أيضاً للخروج منه، ويسارعون إلى الخروج دفعة واحدة، مما يؤدي إلى الازدحام والتدافع، فكيف بمن استطاع أن يصلي لساعة أو أكثر من الزمن أن لا يستطيع تحمل دقائق من الانتظار ليخرج الجميع في هدوء؟ وهناك من يتفادى هذا كله ويختار الصلاة خارج المسجد، لكن هل سينال الأجر من يترك المسجد المخصص للصلاة ليصلي في الطرقات وأمام أبواب المحلات مما يعرقل مصالح الناس، فجميل أن تصلي لكن بأي حق تجعل من صلاتك سبباً لتأخير آخرين عن أعمالهم؟!

كم من رمضان صُمنا، ولم يستمر الناس على الطاعات، ولم يتوحد المسلمون، وما زال بيننا الفقراء والجائعون، ولم نستطِع أن ننتظم حتى في مساجدنا.

فما الفائدة من أن تستطيع أن تمنع نفسك من الأكل والشرب، ولكن في الوقت ذاته تقف عاجزاً عن منع نفسك من أذية الآخر؟ فما الفائدة من أن تصوم لأنه فريضة، وأن تصوم عن عملك أيضاً ولا تؤديه على أكمل وجه رغم أن العمل هو الآخر عبادة؟ وما الفائدة من أن تمتنع عن بعض العادات السيئة وتنتظر انتهاء رمضان بفارغ الصبر لتعود لها؟ ما الفائدة من أن تتهم الآخر بزعزعة عقيدتك إذا لم يصُم بدل أن تنشغل بتقوية إيمانك؟

صيامك كغيره من العبادات بينك وبين خالقك، لن يضر المجتمع إن أديتها أو امتنعت عنها، لكن طريقة تعاملك تؤثر على الناس وعلى محيطك، فقبل أن تتم فريضة الصيام تذكر أن الدين هو المعاملة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد