يتقدم المقاتلون المناصرون لحكومة الوحدة الليبية التي تدعمها الأمم المتحدة بمحاذاة ساحل البحر المتوسط نحو معقل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سرت، مسقط رأس العقيد القذافي، ما يمثل أول هجومٍ شامل على المنطقة التي أصبحت منذ عام 2015 أكبر قاعدة للتنظيم خارج العراق وسوريا.
شقت قوتان من الميليشيات طريقها نحو المدينة خلال الأيام الأخيرة، حيث شنت هجماتها غير المنظمة من الشرق والغرب، ما أدى إلى تقليص الشريط الساحلي الليبي الذي يسيطر عليه تنظيم داعش من 150 ميلاً ليصل إلى 10ق0 ميل فقط. بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الأربعاء الأول من يونيو/حزيران 2016.
زعمت إحدى الميليشيات أمس الأربعاء، السيطرة على محطة كهرباء سرت، التي تقع على بعد 20 ميلاً من المدينة.
وقد تحققت تلك الانتصارات في مناطق لا تكاد تكون مأهولة بالسكان، ولم يكن واضحاً ما إذا كانت الميليشيات تحظى بالقوة والإرادة اللازمتين للتقدم نحو سرت المحصنة تحصيناً شديداً، التي تضم أيضاً عدة آلاف من المقاتلين الأجانب. ومع ذلك، فقد كان تقدم الميليشيات بمثابة انتكاسة لتنظيم داعش، الذي يتعرض بالفعل لهجمات في الفلوجة بالعراق وأجزاء من سوريا.
يحذر المحللون والدبلوماسيون من أنه بينما تتصدى تلك الهجمات لمخاوف الغرب الكبرى في ليبيا المتعلقة بـ"داعش"، إلا أنها تخاطر بزعزعة جهود إحلال السلام الهشة من خلال دعم الصراعات العنيفة بين التنظيمات المتنافسة.
وذكر فريدريك ويري، المتخصص في الشؤون الليبية بمعهد كارنيغي للسلام الدولي، الذي قام بزيارة ليبيا مؤخراً: "منذ عام واحد، كانت تلك الجماعتان تتقاتلان من أجل السيطرة على الهلال النفطي المزعوم، وتطلق كل منهما الصواريخ والقذائف على الأخرى. والآن، تتوحدان ضد عدو مشترك؛ ومع ذلك، فإن الخطوة القادمة هي أشد ما نخشاه".
هل أرسل الغرب جنوده؟
على مدار العام الماضي أصبحت سرت، التي جعلها معمر القذافي مقراً لمؤتمراته الدولية، وقيل إنه كان يريد جعلها عاصمة، الشغل الشاغل لدى البلدان الغربية التي كانت تشعر بالقلق من أن تصبح مأوى للمتطرفين الفارين من العراق وسوريا.
فقد سيطر مقاتلو داعش على المدينة، وقاموا بتنفيذ عمليات الإعدام والجلد، كما عانت المدينة من نقص شديد في الطعام والأدوية.
ومنذ أواخر 2015، تم نشر مجموعات صغيرة من قوات العمليات الخاصة الأميركية والبريطانية والفرنسية في أنحاء ليبيا، التي تواصلت مع الميليشيات الليبية الصديقة في محاولة لجمع المعلومات حول "داعش".
وفي فبراير/شباط 2016، قدم البنتاغون إلى البيت الأبيض خطة محتملة لتوجيه ضربات جوية مكثفة إلى معسكرات الجماعة المتطرفة ومراكز قيادتها ومستودعات الذخيرة في ليبيا.
ومع ذلك، قام الرئيس الأميركي باراك أوباما بقصر العمل الأميركي الصريح على ضربات عشوائية ضد مجموعة من أهداف التنظيم، في محاولة للسماح بترسيخ عملية السلام التي تتزعمها الأمم المتحدة في ليبيا.
ومع ذلك أخفقت تلك المحاولة، حيث فشلت حكومة الوحدة التي وصلت إلى العاصمة طرابلس خلال مارس/آذار2016 في اكتساب زخم سياسي واسع النطاق.
والآن، مع التحرك المفاجئ ضد التنظيم تتسارع خطى العمل العسكري بصورة أكبر من الفعاليات السياسية المتشابكة بالبلاد.
جائزة كبرى
وتعد محطة الكهرباء التي اندلع حولها القتال، أمس الأربعاء، بمثابة جائزة كبرى، حيث كان فقدان سيطرة التنظيم لها في يونيو/حزيران 2016 بمثابة خطوة هامة في طريق سيطرة التنظيم على إقليم سرت.
وقد بادر بتنفيذ تلك الهجمات ميليشيات من مصراتة، وهي مركز تجاري كبير في الغرب الليبي، رداً على اعتداءات التنظيم.
ولقي عشرات من المقاتلين من مصراتة حتفهم خلال الأسابيع الأخيرة، بحسب تقارير إعلامية ليبية.
وذكر حمزة أحمد أبوسنينة، أحد كبار قادة مصراتة، خلال حوار هاتفي، أمس الأربعاء، أن المقاتلين سيطروا على كل من محطة كهرباء سرت ومنطقة تقع جنوبي المدينة تدعى وادي جارف.
ولم يتم التأكد من صحة مزاعم أبوسنينة؛ ومع ذلك، فقد أكدت بعض ميليشيات مصراتة ذلك من خلال حسابات تويتر المرتبطة بها.
وعلى الجانب الشرقي من المدينة، يتزعم الهجمات قائد الميليشيات إبراهيم جاذران الذي يسيطر على جزء كبير من الساحل يعرف باسم الهلال النفطي، حيث تقع معظم آبار النفط الليبي. وسيطرت جماعته خلال الأيام الأخيرة على مدينة بن جواد الساحلية وزعمت، الثلاثاء 31 مايو/أيار 2016، التحرك نحو مدينة النوفلية المجاورة.
وبذلك تصبح جماعته المعروفة باسم حرس المرافق النفطية على مسافة 80 ميلاً من مدينة سرت.
المشاركة الغربية غير واضحة
وليس واضحاً ما إذا كانت القوات الأجنبية تلعب دوراً مباشراً في تلك الهجمات.
وذكر تقرير من مصراتة أصدرته صحيفة "التايمز" البريطانية الأسبوع الماضي، أن قائداً ليبياً أخبرهم بأن جنود القوات الخاصة البريطانية أطلقوا صاروخاً لتدمير شاحنة تابعة لتنظيم داعش محملةً بالمتفجرات أثناء المعركة في أوائل مايو/أيار2016، ولم يعلق مسؤولو وزارة الدفاع البريطانية على التقرير.
وفي أبريل/نيسان 2016 ذكر متحدث باسم البنتاغون أن المجموعة الصغيرة من قوات العمليات الخاصة الأميركية المنتشرة في ليبيا – تضم نحو 20 جندياً يعملون بالقرب من مصراتة وبنغازي – قد شاركوا بصفة رئيسية في جمع المعلومات وعمليات الاستطلاع.
وزير الدفاع الجديد
ومع تكشّف الهجوم المزدوج على مناطق تنظيم داعش، أشار العديد من المحللين إلى دور وزير الدفاع الجديد بحكومة الوحدة المهندي البرغاثي، الذي كان يسعى لتوحيد الطوائف المتنافسة تحت قيادة مركزية يمكن أن تتحولها من خلالها إلى جيش وطني.
ومع ذلك، تم إحباط مثل تلك الجهود من خلال المنافسات القبلية والشخصية التي أدت إلى زيادة الفوضى في ليبيا منذ سقوط العقيد القذافي عام 2011.
ويرى متحدث عن الجماعتين أن "تلك القوات تفتقر إلى القدرات الحاسمة. إن تراجع تنظيم داعش عن القرى والمدن المحيطة بمدينة سرت شيء وتحرير سرت شيء آخر تماماً".
ويُعتقد أن المدينة الساحلية تأوي أغلبية مقاتلي التنظيم في ليبيا، الذين تُقدر أعدادهم فيما بين 3000 و6500 مقاتل.
ويذكر مسؤولون غربيون أن أي مجموعة تهاجم سرت سوف تواجه الكثير من الانتحاريين والقنابل ومقاومة المقاتلين، ولن يكون هناك سبل متعددة للفرار. ويُذكر أن نحو ثلثي سكان المدينة قد فروا منها بالفعل.
تعميق الانقسام
وهناك مخاطر تعميق الانقسامات بين الشرق والغرب في ليبيا. وذكر مسؤول غربي قام بزيارة البلاد مؤخراً أن الحالة السياسية أصبحت تتسم بالمواجهات خلال الشهور الأخيرة، حيث ناضلت الأمم المتحدة في ظل ضغوط الولايات المتحدة وحلفائها من أجل الحصول على الموافقة على تأييد حكومة الوحدة.
ويمكن أن يؤدي الهجوم على سرت إلى المزيد من انعزال الجنرال خليفة حفتر، قائد الميليشيات العسكرية في مدينة بنغازي الشرقية، الذي رفض بإصرار كل مناشدات الانضمام إلى حكومة الوحدة، وتباهى منذ أسابيع قليلة بأنه سيكون القائد الذي يطرد تنظيم داعش من مدينة سرت.
وفي إشارة إلى تلك الانقسامات، أعلن الفرع الشرقي للبنك المركزي هذا الأسبوع عن طباعة 4 مليارات دينار ليبي من خلال شركة روسية، ما أدى إلى إثارة رد فعل غاضب من جانب البنك المركزي في طرابلس.
وتسلم بنك طرابلس، أمس الأربعاء، شحنة الأوراق المالية الجديدة التي يرى المسؤولون أنها صادرة عن مطبعة النقد الليبي التقليدية في بريطانيا.
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.