مدينة زليتن يوم الخميس الموافق السابع من يناير

تهتز المدينة عن بكرة أبيها، ترتعش كل نوافذِها في آن واحد، تفزع أم أحمد في بيتها، أصوات إنذارات السيارات تعلو مع صُراخ البشر، نشاز الضجيج المفاجئ يكسر ألحان العصافير في ذاك الصباح الهادئ، تتناثر الجثث المُتفحّمة في فناء المعسكر

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/23 الساعة 03:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/23 الساعة 03:17 بتوقيت غرينتش

الساعة السابعة صباحاً

يربط أحمد خيوط حِذائه بتأّنٍ مُحدِّقاً بالمرآة المقابلة له، مُدقّقاً في قيافتهِ وفي عينيه المُتعبتين اللتيين لم تستطيعا النوم جيداً ليلة البارحة من شوقهما لإنبلاج فجر هدا اليوم وبزوغ شمسه.

أحمد شاب ليبي من مدينة زليتن يمتلك 20 زهرة في بُستان عمره ، انضم هو وصديقه عبدالرحمن منذ أسابيع للتدريب بجهاز خفر السواحل الليبية، وينتظر اليوم هو وزملاؤه حفل تخريج دفعتهم، لا شيء في أمانيه القريبة سِوى أن يرى الوطن بحال أفضل مما هو عليه من بؤس وكآبة بدت غالبة على أَتْموسفيره منذُ سنوات.
الساعة 7:13 صباحاً.

بعد شُرب فنجان القهوة الذي لم يكن هو الآخر يحمل نفس طعم سائر الأيّام ، لم يتبقّ لأحمد سِوى أن يُقَبِّل يد والدته ويضرب لنفسه التحيّة في المرآة وأن يقرأ الرسالة الواصلة لِتَوِّها إلى هاتفهِ، والتي ابتسم فور سماع صوت وصولها، رُبَّما لعلمه بالمُرسل مُسبقاً.

الطابور الصباحي

في الطريق إلى المعسكر يُشاهد أحمد من نافدة السيارة مشهداً اعتاد عليه كل صباح ولكنه لا يزال بنفس الجمال، هو شوارع مدينته، رُبّما هي كأي مدينة ليبية طالتها أيادي الإهمال، ولكن العاشق لا يستطيع أن يرى معشوقِتهِ إلاَّ جميلة، ذلك الجمال الذي يُرغمنا عليه القلب مهما كان ما نُحبّه قبيحاً في نظر الغير، يبدو كل شيء على ما يُرام في فناء معسكر التدريب، يُغّطيه نسيم صباح شتوي تمتزج فيه برودة الطقس بحرارة الأنفاس المُتَئَهبّة، يستعد الكل لبدء الاحتفال، لا شيء يمكن أن يُعكّر صفو هدوء كهذا سوى أمطار غزيرة.

الساعة الثامنة صباحاً

تهتز المدينة عن بكرة أبيها، ترتعش كل نوافذِها في آن واحد، تفزع أم أحمد في بيتها، أصوات إنذارات السيارات تعلو مع صُراخ البشر، نشاز الضجيج المفاجئ يكسر ألحان العصافير في ذاك الصباح الهادئ، تتناثر الجثث المُتفحّمة في فناء المعسكر، حرارة لهيب الانفجار في محيط المكان جعلت من يناير/كانون الثاني وكأّنه مُنتصف يوليو/تموز.

يد الإرهاب تطال الشموع المُضيئة، كمثلها من الأحداث المُشابهة لن يطول الحزن، الكل يُدين، الكل يستهجن ويستنكر ويعلن الحِداد، لكن ليس طويلاً، ما هي إلاّ ساعات معدودة حتى ينسى الجميع كل شيء، ربمّا لأنهم اعتادوا الموت، ليس موت الأرواح بل موت القلوب.

بينما أُم أحمد لن تنسى جُرح كبدها هذا ولن تُعزِّيها عَبَارات الباكين، والوطن لن ينسى فقدان أبنائه ولن تُعزِّيه عِبَارات المُتضامنين، أما لأحمد فلم يتبقّ لا حُلم ولا وطن ولا أُم ولا صديق ولا حبيبة.
(الشخصيات من وحي الخيال)

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد