عمدة لندن الجديد مسلم، نحن في مأزق حقيقي يا قوم!
ما الذي يقصده الإنجليز من فعل كهذا؟ وكيف تغافل اللندنيون عن مسألة ديانة العمدة الذي انتخبوه لمدينتهم؟
العجيب أنهم فعلوها مبتسمين، إنها ابتسامة النكاية ولا ريب!
أولئك المهذبون حد الاختناق، الماكرون حد الخديعة، يملكون سجلاً تاريخياً حافلاً بالأمور التي فعلوها لإغاظتنا فقط.
أولئك الشقر الباردون لا تخيف جيوشهم أحداً كما يظنون، لكنهم مخيفون حين يبتسمون.
ما الذي يخططون لفعله من مصائب في ديارنا عبر هذه الحركة الانتخابية المريبة؟
لكننا لن نقبل أن نفرط بإرثنا التاريخي ولو اختلطت فيه الحقائق بالظنون، الإرث القائم على أننا الأمة الوحيدة المستهدفة من كل أمم الأرض.
اللندنيون ينتخبون رجلاً مسلماً، ما الذي سأفعله الآن لتصبح هذه المعلومة قابلة للتمرير في عقلي مع منعه في ذات الوقت من استحضار كل التجارب الانتخابية في العالم العربي؟
لا بأس يا رفاق، ما زال بإمكاننا تمرير هذه الصفعة إلى خد المؤامرة، لقد أثبت هذا الخد أن لديه من البلادة ما يكفي لتلقي الصفعات مدى الحياة، سيظل يتلقاها بصمود طالما أنه يتحاشى الالتفات ومواجهة الأسئلة التي يزرعها المنطق في أعين من آمنوا به.
في المآزق عموماً قد تُفيد الحيل النفسية أكثر من الحيل السياسية، لا حرج إذن إن بحثنا في جيوب انتكاساتنا المتكررة عن أكثر حيلة تحيل عدالتهم ظلماً وتحيل خيبتنا مظلَمة.
سنقول بأنها مؤامرة.
سنكون أوفياء لنا وللمؤامرة، سنعيد تجديد العهود معها هذه المرة أيضاً!
لقد ظلت نظرية المؤامرة وفية لنا في كل هزيمة صنعها جبننا، وفي كل خيبة تسبب بها جهلنا وتشنجنا، لقد كانت حاضرة في كل مرة تحنو على بؤسنا تخبرنا بأننا أمة عظيمة، وأننا غير مسؤولين عن هذا الخراب الذي نعيشه الآن على كل المستويات، وأن كل ما يحدث لنا من فشل في كل جانب من جوانب عالمنا العربي يحدث فقط بسبب الأوغاد الآخرين الذين لا شاغل يشغلهم في هذه الحياة إلا عرقلة نجاحنا المحتمل.
علينا أن نكون أوفياء لتلك النظرية التي أظلّت عقولنا جيلاً بعد جيل، علينا أن نكون أوفياء لها إذ أظلّتنا فكفتنا هجير المواجهة مع أنفسنا دهراً، ونحن اليوم سنبادلها الوفاء بالوفاء، أظن أننا سنؤصل بذلك لعظمتنا واستحقاقنا لكل قصائد الفخر التي قيلت من شعرائنا في أصالة وفائنا وإخلاصنا.
لن نقبل التخلي عن نظرية المؤامرة التي يحيكها ضدنا هذا العالم بكل ما يسكنه من بشر أو شجر أو حجر، المؤامرة التي ينهض لأجلها كل سكان العالم صباحاً، التي افتتحت الدول لأجلها الجامعات ومعاهد الدراسات ومراكز الأبحاث، ولأجلها تقام الندوات والمؤتمرات، المؤامرة التاريخية العظيمة التي يسهر العلماء والمفكرون والخطباء والشعراء والفنانون لتكون تفاصيلها محكمة ومستمرة، يفعلون كل شيء بدقة متناهية لا لينجحوا هم؛ بل يفعلون كل ذلك ليضمنوا ألّا ننجح نحن!
لا تصدقوا بأنهم منشغلون ببناء تاريخهم الخاص، نحن شغلهم الشاغل، هكذا تكون الصورة مناسبة للجدار التاريخي خلفها، الذي صمد بوجه الربيع، الجدار الذي شج رأس نيرودا بأزهاره فأخرجه هو وقصائده والربيع من المسألة برمتها.
نحن لن نعترف بأننا -كلنا- مسؤولون عن استقرارنا لقرن من الزمان بذيل الأمم، لن نقول بأن الجهل الذي تحول لأخطبوط يطبق بأذرعته اللزجة على عقولنا هو في الواقع صنيعتنا، نحن من تعاهده بالرعاية وغذيناه بالطائفية والهمجية لنظل بعيدين عن نقطة المواجهة التي ستجبرنا على الاعتراف بأن الانتخابات النزيهة تصنعها المجتمعات الواعية، المجتمعات التي تحترم الاختلاف حد الاعتراف بجدارته والتصفيق لانتصاره، التي لا تبحث عن أسباب الفشل خارج دائرتها التاريخية والجغرافية.
إنها المجتمعات التي لا تحيك المؤامرات ولا تقع فيها كذلك.
وعلى سبيل الموازنة في القهر، ولأنني اضطررت أن أعترف للندنيين بالرقي والوعي، سأخبركم بأمر آخر عن لندن؛ لقد اكتشفت أن أهل لندن الحقيقيين يسكنون في متحف الشمع، أما الذين ترونهم يتجولون في شوارعها فهم تماثيل من الشمع في واقع الأمر!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.