الدين بين العبادة والكراسي

اليوم لم يتبقَّ لبعض الأحزاب السياسية، إن هي أرادت أن تبقى في الوجود والاستمرار في الساحة السياسية، سوى تغيير خطابها الديني والتركيز على الاقتصاد والتعليم العصري للالتحاق بالركب ومواكبة التطور قبل فوات الأوان

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/15 الساعة 07:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/15 الساعة 07:06 بتوقيت غرينتش

لقد نص الفصل السابع من دستور المملكة المغربية على أن الأحزاب السياسية لا يجوز أن تؤسَّس على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة، على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان.

– فهل إذن "فصل الدين عن العمل السياسي" هو "فصل الدين عن الدولة"؟
إن فصل الدين عن العمل السياسي لا يعني فصل الدين عن الدولة، وإنما عدم السماح للسياسيين باستغلال المبادئ والقيم الدينية النبيلة لإشباع حاجاتهم ومصالحهم الخاصة وتوظيفها في المجال السياسي والاقتصادي وغيرهما، انطلاقا من حقيقة إنسانية عامة وشاملة، وكما قال سعد زغلول: "الدين لله والوطن للجميع"..

وبذلك فإن قضية فصل الدين عن السياسة تعد قضية ضرورية، وتأتي رحمة بالدين وما يتم من إكراه واستبداد باسمه؛ لأن السياسيين على اختلاف أطروحاتهم يرتكبون حماقات وأخطاء لا يجوز أن تنسب للدين، وفصله عن السياسة هو إحدى ركائز التقدم والديمقراطية.. والتجربة على أرض الواقع تثبت صحة ما أقوله.

ويبدو أن أتباع حزب العدالة والتنمية وما جوارهما يسعون لغرس أفكارهم المسمومة التي لا تناقش قيم المواطنة والذوبان في هذا الوطن الذي يجمع الجميع ما دامت هناك قواسم مشتركة حددها الدستور المغربي، كما أن السيد رئيس الحكومة كذلك يتاجر بالدين ويحلل ويحرم ما يحلو له من أجل استمالة أولاد الشعب، إقحام بعض المصطلحات الدينية في الخطاب السياسي يعطيه ثقة بعض الناس من الأميين والجهلة بالرغم من فراغ كلامه من كل محتوى، وللإشارة فالذين يقومون بتوظيف الدين واللعب على مشاعر الناس من أجل تحقيق أهداف سياسية فهم "سماسرة"…


إن المغاربة اليوم في حاجة ماسة إلى التعليم العصري لمحاربة الجهل والتخلف والأمية المتفشية بكثرة، وهم في حاجة كذلك الى التطبيب والتشغيل وتحسين قدرتهم الشرائية، هذا ما ينتظره أولاد الشعب في الحقيقة من النخب السياسية، أما الخطابات الإنشائية والشعارات الدينية فلم تعد تجدي نفعاً في القرن الواحد والعشرين.

اليوم لم يتبقَّ لبعض الأحزاب السياسية، إن هي أرادت أن تبقى في الوجود والاستمرار في الساحة السياسية، سوى تغيير خطابها الديني والتركيز على الاقتصاد والتعليم العصري للالتحاق بالركب ومواكبة التطور قبل فوات الأوان.

لقد وصف الله عز وجل في كتابه الذين يستغلون الدين للوصول إلى الكراسي لخداع البسطاء وأبناء الشغب بأنهم لا يخادعون المؤمنين، وإنما يخادعون الله كذلك:

(يُخَادِعُونَ الله وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وهي حقيقة الصلة بين الله والمؤمنين، أنه يجعل صفهم صفه وأمرهم أمره وشأنهم شأنه، يضمهم سبحانه إليه، ويأخذهم في كنفه، ويجعل عدوهم عدوه وما يوجه إليهم من مكر موجه إليه سبحانه تعالى.

وبما أنني أخالف الذين يستغلون الدين للوصول إلى الكراسي في الرأي، بعد مشاهدتهم لهذا المقال سيعتبرونني زنديقاً أو كافراً أو ملحداً… "سامحهم الله".

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد