شهدت الساحة المصرية في الأيام الأخيرة عدة تظاهرات شعبية يصعب في الوقت الحالي التنبؤ بمستقبلها ومآلاتها، لكن وجود هذه التظاهرات ينذر بتحول معاد لسياسات النظام الحاكم؛ حيث تميزت تلك التحركات الأخيرة بعدة سمات يمكن الاستفادة منها في بناء حراك شعبي أوسع وأشمل على المدي البعيد، ويمكن إجمال تلك السمات في الآتي:
أولاً: غياب التحزبات والانتماءات السياسية الضيقة عن المشهد، الأمر الذي أعطى تلك التظاهرات مصداقية أعلى من حيث غياب ارتباطها بمصلحة أو مطالب فصيل سياسي معين، وهو ما افتقر إليه الشارع المصري في أعقاب مذبحتي رابعة العدوية والنهضة؛ حيث دائماً ما كان ينظر للتظاهرات باعتبارها تخص الإخوان المسلمين فقط على الرغم من مشاركة عدد من غير الإخوان بها من الناحية الفعلية.
ثانياً: تواكب تلك التظاهرات مع تصاعد نبرة غضب شعبي من الأداء السياسي والاقتصادي للنظام بحكم فشل السياسات الاجتماعية والاقتصادية للدولة من ناحية، ومن ناحية أخرى التكرار والإطناب المستمر في الخطاب الشعبوي الذي اعتمد عليه السيسي منذ توليه السلطة، دون وجود أي إنجازات ملحوظة تخص حياة المواطن العادي، مما جعله خطاباً أجوف يتناقص عدد مؤيديه يوماً بعد يوم.
ثالثاً: التعامل الأمني الاستباقي أو الوقائي الذي انتهجه النظام عند التعامل مع التظاهرات يشير إلى أمرين: الأمر الأول هو تخوف الحكومة من استخدام العنف المباشر تفادياً لاتساع رقعة التظاهر وزيادة عدد المتعاطفين معها كما حدث في أعقاب موقعة الجمل في 2011 من ناحية، ومن ناحية أخرى التخوف من تصاعد حدة الانتقادات الدولية حول ملف حقوق الإنسان بمصر. الأمر الثاني: قد يبدو التعامل الأمني الاستباقي وسيلة فاعلة لاحتواء التظاهرات على المدى القصير، لكن لا يمكن للنظام الاستمرار هكذا لفترة زمنية طويلة؛ لعدة أسباب، منها الاتساع التدريجي لأعداد المتضررين من القبضة الأمنية للنظام، وبالتالي زيادة دوائر المتعاطفين معهم، واتساع مساحات الغضب من النظام الحالي، ويمكن هنا استدعاء التجربة الأرجنتينية في تأثير تزايد رقعة المقموعين على استمرارية النظام. كذلك فمن غير المتصور أن يستمر النظام في تلك الحالة من اللهاث من خلال إصدار قرارات الحبس والاعتقال ومهاجمة المنازل وتفتيش هواتف المترجلين بالشوارع.
قد يستمر نظام سياسي مثل هذا لسنوات، لكن الحالة غير المسبوقة والمتسارعة التي تشهدها الساحة العربية والمصرية تحديداً تشير إلى أن قدرة النظم السياسية على الاستمرار لعقود من خلال الارتكان فقط إلى أداة القمع المادي أصبحت صعبة.
السمات السالفة تظهر أن هناك عدة مقومات تدفع نحو حدوث حراك شعبي أوسع، ولكن ذلك الحراك يظل رهناً بعدة أمور أهمها:
أولاً: قدرة التحركات الحالية علي توليد مطالب واضحة ورؤية لنظام سياسي بديل، وهو أمر في نظري يصعب تصوره في المدى القصير لعدة أسباب، منها غياب شخصيات أو قيادات سياسية لديها وضوح في الرؤية وجاذبية لدى الرأي العام المصري لتوجيه الحشود أو إدارة التفاوض، ومن ثم تتحول التظاهرات الحالية إلى موجات من تفريغ الغضب الشعبي دون وجود بوصلة أو هدف نهائي، خصوصاً في ظل الضعف التنظيمي والإنهاك البشري الكامل لكوادر وأعضاء حركة الإخوان المسلمين، مما يعني حرمان التظاهرات الحالية من طاقة بشرية كبيرة كان لها قدرة سابقة في الحسم لصالح الحراك الجماهيري.
ثانياً: الواقع الإقليمي يشير إلى وجود دعم دولي قوي لاستمرار السيسي، أو على الأقل المؤسسة العسكرية الحاكمة، خاصة في ظل مشاركة النظام الحالي في الحرب الدولية علي الإرهاب، ومن ثم نجد احتواء من حين لآخر للأزمات التي يتعرض لها النظام، كما هو حادث الآن فيما يخص قضية ريجيني، أو تقديم دعم مالي واقتصادي خليجي لمواجهة حدة المشكلات الاقتصادية، لكن التوجهات الخارجية عادة ما تتحدد بناء على ما يفرزه الداخل، ومن ثم حدوث تحركات شعبية واسعة من شأنها بصورة أو بأخرى تحويل ذلك الدعم السياسي لنظام السيسي، أو على الأقل الضغط على النظام لتقديم بعد التنازلات والبحث عن بديل سياسي آخر.
ثالثاً: وجود تحركات شعبية موازية للحراك السياسي، متمثلة في الموقف الأخير لنقابة الأطباء من الانتهاكات التي يتعرض لها أفرادها من قِبل المؤسسة الأمنية أثناء تأدية عملهم، أو التظاهرات الشعبية العفوية المحدودة ضد انتهاكات الجهاز الشرطي للدولة ضد الأفراد العاديين، مما يعني وجود إدراك فعلي لسوء وفساد المؤسسات الأمنية للدولة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.