من بين فئات المجتمع التي تطرح عليها الأسئلة الحارقة والمطالبة بمقاربة أجوبة لها أو على الأقل وضعها في سياقها الصحيح، فئة المثقفين.
وهنا تكمن الحاجة إلى التمحيص في صفات هذا المثقف و"بروفايله" من خلال طبيعة الأدوار التي يفرضها عليه موقعه كفئة منتجة وبانية للوعي الجمعي والجماعي للمجتمع، أي أن المثقف هو بمثابة حرفي حرفته صناعة الأفكار.
فعن أي مثقف نتحدث؟
للحديث عن المثقف وادواره،نستحضر المفكراﻹيطالي "غرامشي"، الذي مايز بين المثقف العضوي والمثقف التقليدي.
فالأول: يعيش في قصره العالي وينظر إلى عموم المجتمع على أنهم أقزام وبدورهم يرونه صغير عاجز عن حمل همومهم وانتظاراتهم .
والثاني: يعانق هموم المواطنين والفقراء والكادحين.
وعليه فإن المثقف الحقيقي هو الذي يعيش هموم عصره ويرتبط بقضايا أمته،يعني الذي لا يعيش هموم مجتمعه لا يستحق لقب مثقف.
وهو نفس اﻹتجاه الذي سار فيه "الجابري" في تعريفه للمثقف باعتباره حاملا للأسئلة الحارقة -أسئلة النهضة-، وخاصة السؤال المركزي والجوهري "لماذا تقدموا وتأخرنا" الذي طرح على المثقف العربي خاصة بعد سقوط غرناطة 1492 وتحول طريق التجارة من البر إلى البحر.
وهنا تأتي أهمية إعادة النظر في العلاقة التي تربط المثقف بالمجمتع، ومخاضاته، وأسئلته، وانتظاراته،والمطلوب أن هذا المثقف هو القائد للمجتمع وإلَّا يبقى رهينة للإنتظارية بتعبير المفكر الأمريكي "جون واتربوري" حيث يسرد في كتابه "أمير المؤمنين الملكية ونخبتها السياسية"، مقولته "إن النخبة بدلا من أن يحاولوا إذكاء الغليان الجماهيري،ينتظرون وهم في حالة من التحفظ، الوقت الذي تثور فيه الجماهير لأسباب غير متوقعة تصعب السيطرة عليها،ولا يتدخلون إلا بعد ذلك للركوب على السخط الشعبي".
انتظارية المثقف الغربي وتحفظه تسري على المثقف العربي كذلك، فهو لا يأخذ المبادرة بل ينتظر الحدث للتفاعل والقيام برد الفعل، والأحداث كثيرة في هذا الباب خصوصًا في القرن العشرين، كالنكبة الفلسطينية والعدوان الثلاثي على مصر، مرورا بمجزرة صبرا وشاتيلا، ووصولا فيما بعد إلى حرب الخليج وفيما بعد الربيع العربي، ورغم أن البعض يرى أن تلك الأحداث على الأقل كفيلة بخلق قلق فكري لدى هذا المثقف لكنها أثبتّ أنه يبقى رهنية لهذه الانتظارية القاتلة ماعدا بعض المحاولات القليلة هنا وهناك.
تحفظ المثقف العربي وانتظاريته وعدم تفاعله القبلي هو ما ذهب إليه المفكر"حسن حنفي"،حيث يؤكد أنه بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967 أدركنا أننا حاولنا أن نقيم مجتمعات ثورية دون وعي ثوري ونظرية ثورية أي دون خلفية فكرية مؤطرة واستباقية لأي تحول أو انتقال ممكن، فعكف كثير من المفكرين على التعرف على مقدمات الثورة وشروطها.
فالمفكر العربي والمغربي خصوصا مطالب بأخذ المبادرة وقيادة المجتمع وطرح أسئلته الحارقة، بدل انتظار الأحداث للتفاعل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.