فاتك القِطار

لا تَخَفْ من فكرة البقاء وحيداً في المحطة وامتلاء القطارات بالرُّكَّاب، فنِصف هَؤلاء قد يكونوا اختاروا الركوب فقط خوفاً من النوم في البرد والعراء. ليس المُهّم أن تركب القطار، المهم أن تركب قطارك أنت، وإن لم يأتِ اشترِ بثمنه سبعة فناجين من القهوة واذهب إلى وِجهتك سيراً على الأقدام بعد أن تتوكل على العزيز الحكيم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/24 الساعة 06:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/24 الساعة 06:03 بتوقيت غرينتش

ليس دائماً كل قطار يَمضِي يجب أن نَتَحسَّر عليه، فالانتظار في المحطة وإنْ طال يبقى أفضل من ركوب قِطار أنت تعرف جيداً أنَّهُ لا يقصد وِجْهتك، فلا يتبقَّى لك حينها ثمن تذكرة أُخرى لِتركب القِطار المَعني لَك ولا الزمن الكافي للعودة.

البقاء في المحطّة لوقت طويل هو أيضاً فكرة مُرعِبة، وخاصةً عندما ترى القِطارات تتوافد أمامك الواحد تِلو الآخر، تُملأ وتُفْرغ من الرُّكَّاب وأنت جالس في أحد الكراسي المُتسّخة بغُبار الخريف، تتأمل ذلك الازدحام والضجيج الذي تمتلئ به المحطة، جلوسك وحيداً سيجعلك تشعر بأن الكُل يقولون لك بأعينهم لمَ أنت جالس وحدك؟ ماذا تنتظر؟ مع أنّ نظراتِهمْ عادية جدًّا ورُبَّما لَمْ يَشْعروا بوُجُودك أصلاً، ولكن تسلُّل الخوف داخلك سيجعلُك تشعر أنّ الكل بدأ في التعاطف معك.

مع اقتراب الظلام تبدأ تلك الأفكار المُتضادّة تُداعِبُك، هل أركب؟! أم أنتظر قليلاً؟! رُبّما تمضي كل القطارات وأبقى وحيداً! كُلّهم رَكِبوا لم يَعُدْ هُناك وقت ولم يبقَ إلَّا أنا، الوقت تأخر ورُبّما يكون القِطار القادم هو الأخير، هل أركبه أم أنتظر قِطاري الذي رُبّما لنْ يأتي أبداً؟! هُنا سيَظْهر داخلك صِراع شَرس ومعركة طاحنة بين قوتين، الأولى يَقُودها القلب.. وتتمثل في طموحك الذي رسمته في مرحلة الطفولة ولوّنته في مرحلة المراهقة وبرْوَزْتَ إطاره في مرحلة الشباب، والتانية يقودها العقل وتتمثّل في ذلك المارد الخوّاف الذي سيظهر في شخصيتك نتيجة لطول الانتظار ونتيجة لدغدغة الوحدة والخوف من المجهول له.. صِراع سَيُنهكُك، ليس بالهيّن أبداً مهما كُنتَ تعتقد بأن طموحك أقوى من كُل الامتحانات سَتُمرّ بلحظة الشك هذه، خاصةً مع رِياح مَارِس العاتِية والبرد القارص ونظرك الذي يتسلل إلى نوافد القطارات بين الفينة والأخرى، ستُغريك الكراسي المُريحة في الداخل والدفء والإنارة الهادئة والابتسامة التي ترتسم على شفاه ذلك الطفل عندما تُداعبه أُمه، سينتصر قلبك.. لن تركب وستعلم أنّها فرحة مؤقتة ستنتهي في غضون ساعات عندما يصل القطار لمحطة أخرى لا تعنيك.

لا تَخَفْ من فكرة البقاء وحيداً في المحطة وامتلاء القطارات بالرُّكَّاب، فنِصف هَؤلاء قد يكونوا اختاروا الركوب فقط خوفاً من النوم في البرد والعراء.
ليس المُهّم أن تركب القطار، المهم أن تركب قطارك أنت، وإن لم يأتِ اشترِ بثمنه سبعة فناجين من القهوة واذهب إلى وِجهتك سيراً على الأقدام بعد أن تتوكل على العزيز الحكيم.

المُهَم أن لا تَتَّبع القطيع فقط خوفاً من أن يُقال لك: "فاتك القطار"!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد