بلا سوداويّة وبلا تشاؤم، و بعيدا عن آمال خادعات و تفاؤلات مجّانية، لكن أيضا بكثير من الحبّ لهذا الوطن و أهله، فإنّ تشخيص واقع البلاد المقارب للحقيقة لا يبعث على الارتياح، و لا ينبيء عن نظرة مستقبليّة مشرقة على الأقلّ على المدى القريب،،، بهذا المشهد السياسي الأرعن في مساره، و بهذا الإعلام العامل ليل نهار على عرقلة كل مجهود إيجابي و السّاعي بكلّ ما لديه من إمكانات إلى تمييع المجتمع و جذبه إلى دوائر السلبيّة و الإنحدار الأخلاقي و الفكري، و بهذا الوضع الذي عليه غالبيّة الشّعب من جهل ( أو تجاهل ) بواقعه و استسلامه إلى قوى الردّة التي تُعمل أنصالها في كلّ مناحي حياته و تتسابق لنهب ثرواته و اختطاف مقدّراته و مكتسباته…
سياسيّون لا يكفي أنّ غالبيّتهم لا علاقة لهم بالفعل السياسي لا من ناحية الممارسة و لا من ناحية الإنتماء، فهم تسلّطوا و -عمروا- المشهد السياسي إبّان الثورة، و في غفلة من كلّ رقيب، تسلّطوا عليه و عمروه بكلّ طرق الريبة و كلّ أنواع الطمع و الجشع …فإنّ أكثرهم تحرّكهم كثير من الأجندات المحلّية و الخارجيّة وتدفعهم كلّ الغايات إلاّ غاية الوطن و المواطن،، و هذا لا يحتاج إلى ذكاء مفرط للوقوف على أعراضه، فاللعب أصبح على المكشوف و العارعندهم لم يعد عارا … هؤلاء – الرّهط – من السياسيين أغرقوا أنفسهم و أغرقوا الوطن معهم و اختطفوا كلّ الوطن بمقدّراته و جغرافيته و تاريخه و هويّته ودينه مقابل أطماعهم الرّخيصة، بل أعقلهم سكتوا عن كثير من الفساد الذي أصاب و الذي يحدق بالبلاد تنازلا و مقايضة.
يقابله إعلام أغلبه أدمن الرداءة، و عاقر الشذوذ فاشتغل على الوسوم التجاريّة الوسخة، و أتلف كلّ مِهَنيّة و جاوز كل أخلاق مهْنيّة في كثير من أيقوناته،،، إعلام أغفل و صرف النّاس عن شواغلهم الحقيقيّة ليمارس علنًا و بإصرارٍ كلّ أنواع الدعارة الإعلامية و يمتهن التشهير في شدّةٍ بالغة بما هو هويّة و دين ليضرب بلا هوادة قيم و أخلاق الشعب مستعينا بأدوات و أعلام الخراب القِيَمي و الشذوذ الفكري .
إعلام أهمل في قصد و بإمرة كلّ الملفّات السّاخنة التي تعني الساحة الوطنيّة و تكشف خور و فساد المنظومات المتسلّطة على مكاسب و مقدّرات الشعب، في استبلاه صارخ لهذا الشعب و في ضحك على ذقون كثير من مكوناته..
و تكتمل حلقة ( الدُّمّار الأزرق) بوجود أغلبية صامتة من الشعب، أغلبيّة خيّرت النّفاق، البطالة، الإنتهازيّة، الرشوة و استنزاف ما يتبقى من موائد اللئام في نشوة الغانم الجاحد لفضل البلاد و لحقوق أهلها.
شعب غُرست في جلّه الأنانيّة المفرطة فضيّع إيمانه بهذا الوطن و كفر بأغلى قيمتين عند الشعوب المتحضّرة قيمتا (( الوقت و العمل )). شعب في أوسع فئاته احترف الشكوى و التذمّر و الإستعطاء مع طلب المزيد، رضي بالذلّ و الهوان ليكون هو اليد السفلى التي تطلب بعض الإحسان من حقّ كان هو الأولى به.
أيّ سنوات هذه التي تمرّ بتونس التاريخ و الشموخ، و أيّ خلق هؤلاء الذين يدوسون ترابها هذه الأيام و ينعمون ثم ينكرون و يجْنحون؟؟ و أيّ بصمة ستعنْون مرورهم لتبقى ذكرى لأجيال ستأتي من بعدهم؟؟
أيْها الشعبُ! ليتني كنتُ حطَّاباً فأهوي على الجذوعِ بفأسي
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.