على طولِ ما عِشنا، ومنذ أن وَعَينا أنفُسَنا، وجدنا الغرب هم الرأس، والعرب – بعينٍ مُهْمَلَة – هم الذَّنب، فَمَا مِنَّا إلا ويحلم بعقلية غربية، أو يقلِّد هذه العقلية، أو يَسُبُّ القدرَ لأنه جعله بين العرب – بالعين المهملة- ولعل أكثرَ متَحَفظٍ فينا وَجَدَ في التحدث بلغة أعجمية شرفاً ومبلغاً من العلم.
وفي لحظةِ غفلةٍ منا، أو ربما في لحظة تعقلٍ كاملٍ، لا أدري، إذ بِشَرَارَةٍ تمرُّ بآذانِنا فتَستَصِيغُها عقولُنا، بأن في زمن ليس بالبعيد، كان العربُ – بِالعَينِ المهملة – هم الرأس والغرب هم الذنب، تعجبَ من تعجبَ واستنكر من استنكر، وازْدَرَى من ازدرى..
ولأن شرارة الاستِنارةَ شاء لها اللهُ أَن تُتِمَّ نورَهَا، لم يستنكِف أحدٌ – لا من المتعجبين ولا من المستنكرين ولا من المزدرين – أن يبحث عن الحقيقة، فقصدوا المكتبةَ وجالوا بين الصحف وسافروا بين الأسفار والمجلدات، فكان من يدَّعي أن الغرب طاقة ٌفي الطب أنْ عَلِمَ أن أبا القاسمِ الزهراوي العربي المسلم هو أول جراحٍ في تاريخ البشرية، وكتُبُهُ درسها الغربُ وطمسوها، واكتشف أنه وإلى غاية القرن السادس الميلادي لم يكن في مكتبة الطب الأوروبية إلا كتاب واحد أوحد، فيما كان المسلمون يعيشون البذخ سواء كتباً أو علماء، مع العلم أن هذا الكتاب الواحد هو كتاب "الحاوي" للرازي، الطبيب العربي المسلم، الذي عاش في أواخر القرن الثاني الهجري وبداية الثالث.
وابن النفيس، الذي عُد أعلم أهل عصره بالطب، إليه يعود شرف اكتشاف الدورة الدموية الصغرى التي يدرسوننا إياها دون ذكر لابن النفيس، وهي الدورة التي تصف مرور الدّم من الشريان الرئوي إلى القلب؛ فهو أول من وصفها، وأول من أشار إلى الحويصلات الرئوية والشرايين التاجية، كما كان له اهتمام بطب العيون والعلاج بالغذاء والدواء والعلاج بالجراحة.
وابن الهيثم الذي شاع خبره في الدنى، العالم العربي الذي مهد لنظرية نيوتن في الضوء، وفسّر ظاهرة قوس قزح والخسوف والكسوف، وبحث في علم البصريات ما لم يُمَكَّن لِغيره، فأَلهَم هؤلاء كيفية صناعة الكاميرا التي تتعجب أنت منها.
وكان من أُعْجِب باقتصاد الغرب وتسييرهم المالي أن علم أنهم يدرسون كتاب عمر بن عبدالعزيز في المعاملات المالية في جامعاتهم منذ زمن سحيق إلى الآن، وهو مجرَّدٌ من كل هوية تثبت أصله، فعلمنا أنَّا كُنَّا معجبين بجلبابنا يلبسه الآخرين..
وفي الفَلَك علَّمُونا أن غاليلي قُتل لأنه بيَّن في عصر الظلمات أن الشمس في المركز والأرض تدور حولها، لكن قبله بخمسة قرون كان ابن حزم الأندلسي يبرهن للعالم أن الأرض كروية الشكل، بل وأعطى مساحتها في ذاك الزمان وقدرها بـ 40253 كلم تقريباً، ولم يكن الفرق إلا 200 كلم فقط، بعد اكتشافات اليوم.
ومن قصد جناح الكيمياء في المكتبة أخذ ينقب عن أصل هذا العلم عند العرب، وهو يتساءل: هل ثمة عندهم معرفة به سلفاً؟
لكن سرعان ما سقط مغشياً على حجاه حين علم أن مؤسس هذا العلم عربي مسلم، كان له قصب السبق، وألهم العالم هذا العلم الجديد، وهو جابر بن حيان الأزدي، الذي عاش في القرن الثاني الهجري، الثامن الميلادي، الكيميائي العربي، فكانت مؤلفاته أولى المعارف التي نُقِلت إلى أوروبا مثل نظرية تحضير المعادن من عنصري الزئبق والكبريت، ووصفه لتحضير الحوامض المعدنية، وهو أول مكتشف للعطر المتفاعل.
ولك أن تُفْغِر فاك إذا علمت أن الروبوت عربي المبدإ، و"القَرافي" الشافعي المصري، ناهيك عن تضلعه في العلوم النقلية، والأصول، فقد صنع روبوتاً كان يُنَبِّأ بوقت الصلوات ووقت الشروق والغروب..
الحديث في هذا ذو شجون..
على أمل شرارة أخرى سواء في غفلة أو صحوة، ما نملك إلا أن نقول:
وَرِثْنَا المَجْدَ عَن آباءِ صِدْقٍ •• أَسَـــــــــــأْنَا في ديارِهمُ الصَّنيعا
إذا الحَسَبُ الرَّفِيعُ تَوَاكَلَتْــــــــــهُ •• بُناةُ السُّوءِ أوْشَكَ أنْ يضِيعا
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.