الكثير من الناس يرى أن شخصية وحقيقة المرء تتجسد بمظاهره الخارجية. وبما يفعله أمام الناس ويلبسه ويقوله. وبما ينشره على صفحات فيسبوك من أناقة وجمال وحضور وشخصية. والناس تقول: "ما شاء الله. ياريتني كنت مثل فلان. ياريتني كنت مشهور ومحبوب وألبس وأسافر مثله".
لكن لا أحد يعرف حقيقة ذلك الشخص إلا الله .فبرغم ضحكاته وتنقلاته وأسفاره وأناقته وجماله إلا أنه في حقيقة الوضع لديه همومه ومشاكله التي يريد أن يحكيها للناس لكنه متأكد أن هؤلاء لن يثقوا بأقواله وأحزانه؛ لأنهم اعتادوا رؤية شخصيته الخارجية، فيقولون هم السعداء ونحن التعساء.
حتى وإن وجدنا آخرين يُظهرون مشاعر السعادة والنجاح والتفوق ولا يرغبون في إظهار أي شيء من مشاكلهم. لأنهم يحسون أنهم قدوة لغيرهم ويحبون أن يكونوا دائماً متميزين ودون مشاكل أو هموم. حتى لا يؤثر ذلك على مكانتهم بين الناس، هذه طبيعة البشر. فلا يوجد شخص كامل الا الله. كل شخص يرى ان صديقه او جاره أسعد وأحسن منه. لكن لا يدرون أن بعض ما عندهم يتمناه هؤلاء الأشخاص.
عمرتي كشفت لي الكثير. فليس كل ما نراه حقيقة. فالعين تخدعنا دائماً وهذا ما حدث معي في عمرتي للبقاع المقدسة، صحيح أني استمتعت وتقربت أكثر من خالقي. لكن هذه العمرة كشفت لي الكثير من الأشياء التي كنت أتوقع صحتها قبل ذهابي للسعودية وحتى لما وصلت للمدينة او مكة. بقى نفس التفكير يخالجني.
بحكم أننا كبشر نحكم بما تراه أعيننا. وليس بما هو موجود ومستور في الواقع. فالذي يرى الاشياء دون ان يتحرى حقيقتها ينخدع بها، وهذا ما حدث معي في سفرتي.
ذهبت أنا ووالدي لأداء مناسك العمرة. كنت أصر على والدي لزيارة كل الاماكن والمناطق التي كان يمشي اليها الرسول او التي حدثت فيها واقعة معينة في الاسلام. كنت اقول له يا ابي. ممكن تكون هي اول عمرة وآخر عمرة لنا. اتركنا نعيش العمرة على اصولها وجماليتها. لم يعارضني ابي. فبالرغم من التعب الذي كان يحس به. كان يذهب معي انا ووالدتي ونمشي مسافات بعيدة لنرى فقط اماكن معينة ونعيش تجارب مع اناس التقيناهم هناك.
أذكر أني قلت له مرة: أبي أين قبر السيدة خديجة أريد رؤيته. بحثنا عنه فوجدناه بمقبرة بالحجون. قصدنا هذا المكان بعد صلاة العصر فقط لنقرأ الفاتحة على روح أمنا الطاهرة السيدة خديجة ولنعرف مكان وجود ضريحها. عند وصولنا للمقبرة تفاجأنا بالحارس يقول: الرجل يمكنه الدخول والمرأة ممنوع. قلت له لماذا: قال حرام وسكت.
كانت بدايتها هنا. فأنا أصلاً لست من محبي زيارة القبور. غير رفض الحارس الدخول الى المقبرة قد كسر تلك الرغبة الجامحة برؤية قبر السيدة خديجة والترحم عليها. لكن لو كانت شخصية معروفة او من أهل البلاط الملكي لدخلت دون أن يمنع عنها ذلك ولا قيل لها حرام.
في اليوم الثاني اتصل بي أحد طلبتي لرغبته في رؤيتي. كنت سعيدة لسببين: أولهما أنه لما أخبرته برغبتي في الصعود الى غار حراء وافق أن يأخذنا دون أي تردد. وثانياً لأنه سيجيبني على بعض استفساراتي بحكم إقامته في السعودية.
أذكر أنني ذهبت مع والدي الى الغار بعد صلاة المغرب.. وفي ذلك الوقت أتذكر أن عدنان في بداية الامر كان تائهاً عن الطريق رغم استعماله خرائط جوجل من هاتفه.. وفي تلك اللحظات كان هناك العديد من التساؤلات والملاحظات التي تعجبت من رؤيتها عند قدومي لمكة وأردت معرفة حقيقتها، ولأن عدنان هو من المقيمين في السعودية اغتنمت الفرصة لأعرف إجابات عن استفساراتي وقد صعقت لسماع إجابتها التي تمنيت أني لم أسألها.
تمنيت أني لم ألاحظها أبداً. إجابات أوصلتني إلى أن الواقع الحقيقي المخفي يختلف تماماً عن الصورة التي يراها الجميع.
كانت أولى ملاحظاتي في المدينة المنورة، حيث لاحظت أن كل المحلات والتجار والعاملين بمجرد اقتراب نصف ساعة على الأذان تجدهم كلهم يتهافتون لإخراج الزبائن من محلاتهم وإخبارهم بأنه وقت الصلاة ويجب إغلاق المحل.
قلت في نفسي ما شاء الله. ألهذه الدرجة الناس تحب الصلاة وتسارع اليها. هل ذلك بتأثير وقدسية المكان أم أن الناس تخاف الله وتقيم صلاته.
كما لاحظت أنه كلما مشينا في الشوارع والأحياء لا نجد نساء أو فتيات يمشين بالشارع إلا وهي مرتدية جلباباً وكل جسمها مغطى بالسواد وحتى أعينهن مغطاة لا تراها. قلت سبحان الله حتى أطفالهم ملتزمون بالحجاب.
لاحظت أن معظم اهل السعودية أغنياء ومكتفون مادياً وكلهم أصحاب سيارات ضخمة وحتى انهم من كثرة التبجح المالي يعطون أولاداً صغاراً لسياقة سياراتهم.
ولاحظت أن معظم العاملين في مكة او المدينة هم من عرب اليمن او مصر او الصين او جنوب آسيا.
لكن ما زاد حيرتي أننا لما طلعنا غار حراء لم نجد ولا عربياً في الغار. وجدنا بعض الهنود والأتراك والأجانب المسلمين. أما العرب فبحكم أن الغار بعيد ومتعب في صعوده فإن الكثيرين من العرب لا تستهويهم فكرة الصعود اليه فقط يكتفون برؤيته من بعيد.
وما زاد الطينة بلة هي إجابة عدنان على تساؤلاتي. بحكم أن السعودية بها هيئة تقوم بمراقبة الناس وأصحاب المحلات، ومن يجدون محله مفتوحاً وقت الصلاة يتم تشميعه او معاقبته. كذلك النساء إلزامي أن تكون المرأة منتقبة أو بجلباب. هنا وجدت أن الواقع هو أن الناس تخاف على حياتها من الهيئات والحكومات ولا تخاف من رب العالمين إلا من رحم ربي.
ومن بين إجاباته أن بعض أهل البلاد لا يحبون العمل. وأن معظم العمل هو من تعب أناس بسطاء جاؤوا من دول عربية قريبة وأن كثرة حوادث المرور والموت بالسعودية قد يكون من بين أسبابها هو الترف الزائد والاهمال؛ لأن المال الذي يجنيه هو من تعب غيره وليس من تعبه، وبالتالي فهو لا يحس بقيمة المال الذي بين يديه. وأن السعودية قد وضعت قانوناً لمنح رواتب او منح لأي سعودي سواء اشتغل أم لا، وحتى معدل رواتب السعوديين هي الأكبر قيمة من رواتب العاملين الأجانب. ورغم كل ذلك الترف غير ان شعب السعودية غير سعيد بحياته لأنه يعيش روتيناً دائماً بين السوق والمال والنوم.
ملاحظاتي وإجابات عدنان هي مجرد رؤى قد يجدها البعض صائبة وقد يراها آخرون مجحفة. لكن أحياناً الواقع يلزمنا بأن نرى الاشياء بنظرة واقعية لا بنظرة المظاهر الخادعة او من السعيد ومن التعيس.
عمرتي كشفت لي ذلك. ماذا كشفت لكم زياراتكم وأسفاركم؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.