راتب حسين العودات التقاعدي ورحيل بشار الأسد

كان ضجيج مفاوضات جنيف والحديث المتبدل والمتفاوت بين مختلف الأطراف عن ضرورة رحيل بشار الأسد أو تنحيه أو تخليه عن سلطاته أو بقائه في منصبه لعدة أشهر في المرحلة الانتقالية بدون صلاحيات لانجاز أي حل سياسي في سورية، عندما نشر حسين العودات ملاحظته عن إيقاف اتحاد الكتاب العرب راتبه التقاعدي، وتساءلت بيني وبين نفسي حينها كيف يمكن لنظام لم يحتمل شخصاً بتهذيب ولطف الراحل حسين العودات

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/11 الساعة 02:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/11 الساعة 02:53 بتوقيت غرينتش

في الثالث والعشرين من مارس/ آذار الماضي وخلال محنته المرضية قبل وفاته بأيام كتب الصحافي المخضرم حسين العودات، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ملاحظة (لا تزال موجودة حتى اليوم) موجهة للدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية في سورية، يشرح فيها قرار رئيس اتحاد الكتاب العرب السابق بإيقاف راتبه التقاعدي منذ ثلاث سنوات، وإصرار المجلس الجديد للاتحاد على موقف رئيس الاتحاد السابق رغم تقديم العودات طلباً بإعادة النظر بإيقاف راتبه.

لكي يتمكن القارئ أن يفهم القصة بشكل أوسع وأعمق، وبأن ملاحظة الأستاذ العودات على صفحته في فيسبوك أكبر من مجرد شكوى شخصية على تصرف بيرقراطي، أو خطأ وظيفي يمكن تصحيحه، أو حالة إنسانية تثير التعاطف، أو مكيدة وظيفية بين رئيس ومرؤوس، وأنها على بساطتها تُقدّم تشخيصاً دقيقاً لعقل النظام الذي بناه حافظ الأسد ولازال معمولاً به حتى اليوم، ولآليات عمله ولعلاقته بمواطنيه وللسبب الجوهري الذي جعل السوريين يثورون عليه منذ خمسة سنوات ولا يتراجعون رغم كل القصف والقتل والتدمير حتى الآن، يجب أن أشرح أكثر..

فاتحاد الكتاب العرب الذي قرر رئيسه ومجلسه إيقاف الراتب التقاعدي لحسين العودات، هو النقابة التي تضم الكتاب والمشتغلين بالكتابة، ورغم أنه نظرياً جهة مستقلة عن مؤسسات الدولة، يضم النخبة الثقافية في سورية، ورغم أن هدف إنشائه المعلن هو الدفاع عن مصالح أعضائه وحماية حقوقهم، إلاّ أنه كان عبر تاريخه جزءاً من يد النظام للسيطرة والتحكم بالكتاب السوريين، وقمعهم وإسكاتهم، ولم يسجل له يوماً وقوفه مع كاتب تعرض للسجن أو للاستدعاء الأمني أو لمصادرة رأيه وكتبه أو منعه من الكتابة والنشر، وكان جزءاً من عمله الرقابة على الكتب الأدبية التي تصدر في سورية، ورغم أنه كان يجري انتخابات دورية لاختيار رئيسه ومكتبه التنفيذي، إلاّ أن القائمة الأمنية التي كانت تُرسل من القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم تحت مسمى قائمة الجبهة الوطنية التقدمية، هي التي كانت تفوز بكامل أعضائها دائماً، ولم يغادر رئيسه التاريخي علي عقلة عرسان مكتبه لمدة تقارب الثلاثة عقود، إلاّ بسبب الشيخوخة.

أما الراحل حسين العودات فهو إعلامي مخضرم وبعثي سابق، تسلّم خلال عمله الإعلامي مناصب متوسطة، وكان صاحب رأي مستقل في حدود الاستقلالية التي كانت متاحة في ذلك الزمن، وحتى حين انتقل إلى صفوف المعارضة، لم يكن الرجل حاداً بطبيعته، وعقلانيته جعلته يتخذ مواقف أقرب إلى هيئة التنسيق الوطنية في البداية قبل أن يغادرها، من دون أن يمس ذلك بجذرية مواقفه من النظام، وعمق إيمانه بالثورة، على الرغم من دماثته التي حفظت له علاقات ود واحترام مع كل الأطراف، لكن كل ذلك لم يشفع له لدى النظام الذي اعتقله لأيام خلال ربيع دمشق، ولا عند قرار رئيس ومجلس اتحاد الكتاب العرب بإيقاف راتبه التقاعدي بعد الثورة، وهو حق من حقوق أي عضو في الاتحاد يدفع اشتراكات خلال كل فترة عضويته، ليحصل على راتب تقاعدي بعد تجاوزه الستين من العمر.

منذ اللحظة التي نشر فيها حسن العودات ملاحظته (وأنا أعرف أنفته وكبرياءه) على صفحته في فيسبوك، ليطالب بحق صغير سُلب منه وهو في محنة مرضه، وأنا أفكّر وأستعيد وأتذكر قصصاً لا تحصى لسوريين تم تدمير حياتهم وقطع أرزاقهم وسجنهم وقتلهم بسبب وشاية أو تقرير أمني أو حتى موقف معارض، ولم تكن أجهزة المخابرات وحدها هي التي تقوم بالتنكيل بالسوريين والتضييق على حياتهم وحصارهم (وإن كانت الأوضح)، وإنما استخدمت كل مؤسسات الدولة بما في ذلك النقابات التي يُفترض أن تكون مستقلة في عملية تطويع وترويع السوريين، وفُصلّت القوانين بحيث تبدو عملية القتل والقمع والتجويع والحصار للسوريين شرعية ولا تشوبها شائبة.

كان ضجيج مفاوضات جنيف والحديث المتبدل والمتفاوت بين مختلف الأطراف عن ضرورة رحيل بشار الأسد أو تنحيه أو تخليه عن سلطاته أو بقائه في منصبه لعدة أشهر في المرحلة الانتقالية بدون صلاحيات لانجاز أي حل سياسي في سورية، عندما نشر حسين العودات ملاحظته عن إيقاف اتحاد الكتاب العرب راتبه التقاعدي، وتساءلت بيني وبين نفسي حينها كيف يمكن لنظام لم يحتمل شخصاً بتهذيب ولطف الراحل حسين العودات، وكان من النذالة والخسة إلى درجة منع راتبه التقاعدي في ظرف اقتصادي ومعيشي ومرضي صعب، لمجرد أنه اختلف معه في الرأي أو عارضه، ولم يفعل شيئاً أكثر من قول أو كتابة رأيه، كيف لنظام بهذا العنف والإجرام أن يفاوض على رحيل رئيسه، أو تنحيته أو سحب صلاحياته أو مشاركته الحكم، والعفو عمن تظاهروا ضده أو ثاروا عليه ورفعوا السلاح في وجهه؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد