سعوديون ينقلبون على عائلاتهم.. كيف تحوّل أبناء العمومة إلى أعداء؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/01 الساعة 13:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/01 الساعة 13:58 بتوقيت غرينتش

لم يكن هؤلاء الرجال من المتشددين على الإطلاق في الماضي، فأحدهم كان يعمل صيدلانياً، وعمل آخر كفنّي للتبريد والتكييف، وثالث كان طالباً في المدرسة الثانوية.

وتحدثت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن قصة أبناء العمومة الستة، فقد كان جميعهم يعيشون في السعودية، وجميعهم يحملون السر ذاته؛ التعهد بالولاء لتنظيم "لدولة الإسلامية" (داعش)، وخططوا لقتل أحد أبناء عمومتهم الآخرين، والذي كان رقيباً في قوات مكافحة الإرهاب السعودية، وكان هذا ما نفذوه بالفعل.

في فبراير/شباط الماضي، قام أفراد المجموعة بخطف الرقيب بدر الرشيدي، واقتادوه إلى جانب أحد الطرق جنوب مدينة بريدة، قبل أن يقوموا بإطلاق النار عليه وقتله. في مقطع الفيديو المسجل، قامت المجموعة بإدانة القيادة السعودية، وقالوا إنها تخلت عن الإسلام.

لاذت المجموعة بعد ذلك بالصحراء، قبل أن يحقق الفيديو انتشاراً واسعاً في أنحاء المملكة، وقد سبب صدمة كبرى للمجتمع السعودي.

من بين 20 حدثاً إرهابياً في المملكة منذ نهاية عام 2014 وحتى الآن، يعد قتل الرقيب رشيدي هو ثالث عملية قام بها مواطنون انضموا لتنظيم "الدولة الإسلامية" بشكل سري وقتلوا أقارب لهم يخدمون في قوات الأمن. في كل حالة من الحالات الثلاث، كان المنفذون يبررون ما فعلوه بالقول بأن النظام أفسد العقيدة الإسلامية، وهو اتهام كبير للسعودية التي تصنف نفسها على أنها النظام الإسلامي الحقيقي في العالم.

القاعدة.. داعش

تنظيم "الدولة الإسلامية"، تماماً كتنظيم القاعدة سابقاً، يتهم السلطات السعودية بـ"إفساد العقيدة الإسلامية للحفاظ على الحكم"، إلا أن شبكات تنظيم القاعدة في المملكة قد تم تفكيكها منذ سنوات مضت، كما أن قادة تنظيم القاعدة أنفسهم لم يشجعوا على قتل المسلمين المدنيين.

على العكس، كان تنظيم الدولة الإسلامية قادراً على التسلل إلى المملكة من خلال التجنيد عبر الإنترنت، حيث وجدوا بعض المتدينيين ممن لديهم النية لقتل مسلمين من السنة والشيعة على حد سواء أملاً في زعزعة استقرار المملكة.

وفي يوليو/ تموز الماضي، قام شاب يبلغ من العمر 19 عاماً بقتل خاله الذي كان يعمل كعقيد في الشرطة، قبل أن يقوم بتنفيذ هجوم انتحاري بالقرب من أحد السجون، مما أدى إلى إصابة اثنين من الحرس، وفي رسالة صوتية بثها تنظيم الدولة الإسلامية عقب موته، تحدث الشاب فيها إلى أمه قائلاً "لقد كان شقيقك المرتد موالياً للطغاة، ولولاه، لما وُجِد هؤلاء الطغاة من الأساس".

كان المتحدث الأمني بوزارة الداخلية، اللواء منصور التركي، قد ذكر أن الهجمات الإرهابية خلال العامين الماضيين قد أدت لمقتل العشرات من المدنيين، ونحو 20 عسكرياً.

بالإضافة لذلك، انضم حوالي 3 آلاف من السعوديين إلى المجموعات المتشددة خارج البلاد، بالإضافة إلى وجود أكثر من 5 آلاف معتقل داخل البلاد بتهم تتعلق بالإرهاب، وهو ما يعتبر زيادة كبيرة للغاية في الأرقام خلال السنوات الأخيرة.

السعودية والجهاديون

تملك السعودية تاريخاً طويلاً ومعقداً فيما يتعلق بالمجموعات الجهادية. فعلى مدار سنوات طويلة، قام عددٌ من السعوديين بالذهاب إلى الدول مثل البوسنة والشيشان وأفغانستان، من أجل القتال وبعد عام 2011 تحول تركيز هذه الجماعات إلى السعودية نفسها، وقامت بتنفيذ أكثر من هجوم فيها.

والآن، يطرح تنظيم الدولة الإسلامية تحدياً جديداً أمام المملكة، من خلال تحويل وقلب جوانب العقيدة ضد الدولة التي تتخذ من الشريعة الإسلامية دستوراً لها.

وتطال اتهاماتٌ غربية السعودية رغم أنها تركز حالياً على منع العنف وإدانته. ويرفض المسؤولون السعوديون دائماً المقارنة بين أيديولوجيتهم وبين أيديولوجية تنظيم "الدولة الإسلامية"، ويشيرون إلى أن الملايين من غير المسلمين يعيشون في المملكة، بالإضافة إلى التعاون الكبير بين المملكة وبين الولايات المتحدة، ومشاركة البلاد في التحالفات التي تستهدف القضاء على التنظيمات المتشددة، كما يؤكدون دائماً على أن المنهج السعودي لا يسوِّق لنظام الخلافة الذي يسعى إليه تنظيم الدولة الإسلامية، بالإضافة إلى إدانة كبار رجال الدين في البلاد للهجمات الإرهابية ووصف منفذيها بالمنحرفين والمتطرفين.

المخالفون لهذا الرأي يشيرون إلى أن رجال دين سعوديين لم يقوموا بنبذ بعض مظاهر التشدد التي يتنباها تنظيم "الدولة الإسلامية"، الأمر الذي استغله الجهاديون من خلال تنفيذ عدد من الهجمات الانتحارية أمام مساجد الشيعة، ثم اتهموا رجال الدين أولئك بالنفاق عند قيامهم بإدانة ذلك العنف.

استهداف الأقرباء

وكما فعل مع الدول الأخرى، اعتمد تنظيم الدولة الإسلامية على الشبكات الاجتماعية للوصول إلى داخل المملكة، ليستطيع من خلالها الوصول إلى أعضاء جدد يقوم بتوجيههم لتنفيذ الهجمات، والتي تستهدف في كثير من الأحيان أقرب المقربين منهم، وهو ما جعل منع هذا النوع من الهجمات أمراً صعباً للغاية، كما يذكر اللواء تركي الذي تحدث عن رجل أُلقِي القبض عليه في العام الماضي بعدما قام بقتل ضابطي شرطة في حادث إطلاق نار من سيارة بالقرب من الرياض، حيث قام أحد أتباع التنظيم باعطائه السيارة، وزوده آخر بالسلاح، دون حتى أن يعلم منفذ الهجوم الاسم الحقيقي لهؤلاء.

ومع ذلك، لم يكن من السهل على الإطلاق تنفيذ الهجمات ضد قوات الأمن، لذلك، طلب التنظيم من أعضائه قتل الضباط الموجودين داخل عائلاتهم. ويقول اللواء تركي بأن فكرتهم تتلخص في أنه كلما كنت قريباً ممن تستهدفهم، فلن يعلم أحدٌ عن الأمر.

في سبتمبر/أيلول الماضي، قام رجلان باختطاف ابن عمهما، وهو جندي في الجيش السعودي، وقاموا بتصوير مقطع فيديو ظهر فيها مقيداً ويستعطفهم من أجل تركه، قبل أن يعلنوا عن ولائهم للدولة الإسلامية ويطلقوا النار عليه. وقامت فيما بعد قوات الأمن بقتل أحدهما والقبض على الآخر.

كيف انتهى رشيدي بالقتل على يد أبناء عمومته؟

بعدها بفترة قصيرة، وقعت حادثة خطف وقتل الرقيب رشيدي بواسطة ستة من أبناء عمومته الذين تبنوا منهجاً متطرفاً في السر دون أن يلاحظ ذلك أي من أفراد العائلة.

كان زعيم المجموعة هو وائل الرشيدي المتحدث في مقطع الفيديو، وهو حاصل على درجة علمية في الصيدلة وكان يعمل في مستشفى الرياض كما ذكر اثنان من إخوة الرقيب في لقاء معهم، كما ذكروا أنه كان مدخناً، وهو فعل مخالف لا يقوم به أغلب المتدينين، وأضافوا أنه كان يقضي الكثير من الساعات على الكمبيوتر في محاولة لتنفيذ عمليات القرصنة، وأنه كان يحب ألعاب الفيديو الحربية على جهاز Xbox.

كان اثنان من إخوته الذين شاركوا في تنفيذ العملية أيضاً يعزفان على آلة العود، وهو ما لا يقوم به الكثير من المحافظين أيضاً، أما الثلاثة الآخرون، فكانوا طلاباً بالجامعة، من بينهم اثنان إخوة، وأقام اثنان منهم في غرفة واحدة بالسكن الجامعي أثناء دراستهم للشريعة في إحدى جامعات الرياض.

منذ حوالي عامين، أصبح وائل الرشيدي أكثر تديناً وبدء في الانسحاب من الكثير من أنشطة الأسرة، إلا أن الأمر لم يكن مقلقاً على الإطلاق، خاصة وأن التدين هو أمر شائع للغاية داخل المجتمع السعودي.

يقول مشاري الرشيدي، شقيق الرقيب بدر "لقد لاحظنا جميعاً أنه أطلق لحيته وبدء في الذهاب للمسجد، إلا أن هذا الأمر طبيعي ويفعله الكثيرون، لذلك لم يكن لدينا أي علم بأنه يخطط لشيء آخر".

الأمر المحيّر أيضاً أن والد وائل كان ضابطاً متقاعداً في المخابرات السعودية، وهي الجهة التي من شأنها تعقب خطر الجهاديين، كما يقول أشقاء الرقيب بدر الرشيدي، في حين أن والد أحد منفذي العملية مازال يعمل ضمن هذا الجهاز حالياً. يقول بندر الرشيدي، وهو شقيق الرقيب بدر "ربما لم يكن يعلم، أو أنه كان يخشى الإبلاغ عنه أملاً في أن يصوب أفكاره".

نظراً لكون منفذي العملية مقربين من الرقيب رشيدي، أخبروه بأن لديهم هدية من والدتهم له يريدون إيصالها، وعندما قابلهم، قاموا باختطافه وقتله بعد ساعات قليلة لاحقة.

دب الخوف في العائلة بعد أيام من ملاحظتهم اختفاء أبنائهم وأن هواتفهم جميعاً مغلقة، قبل أن يطلق تنظيم "الدولة الإسلامية" مقطع الفيديو الذي أكد مخاوف العائلة. وفي 11 مارس/آذار الجاري، تمكنت قوات الأمن السعودية من مطاردة المنفذين الستة في منطقة نائية وقاموا بقتلهم جميعاً في تبادل لإطلاق النار وفق ما رصدته تقارير إعلامية محلية.
يشعر أشقاء الرقيب رشيدي حالياً بالسعادة لمقتل الستة، إلا أن ما حدث بالكامل تركهم في خوف كبير. يقول بندر "إذا قام أحدٌ بمهاتفتك وسألك أين أنت؟ أريد أن أراك. فلا يجب عليك أن تثق به على الإطلاق، نحن لم نعد نثق في أحد بعد الآن".

هذه المادة مترجمة بتصرف عن صحيفة New York Times الأمريكية.

تحميل المزيد