اتّشحَت حركة 6 إبريل في مصر بالسواد في ذكرى ثورة يناير هذا العام، واليوم تأتي ذكرى تأسيسها الثامنة بعد يوم الإضراب الشهير (6 إبريل 2008)، وفيما اتشحت وتغطت واكتست 6 إبريل بالسواد بعد سنوات قليلة من إنشائها، هناك من لا يزالون متشحين بالهتاف أو متشحين بالسيف.. والغالبية في مصر متشحة بالصمت.
فإن كان التحالف الوطني لدعم الشرعية ما فتئ يُصدر بياناته الأسبوعية متوعدًا بالهتاف، فيما يتقلّد "تنظيم الدولة" و"حركة العقاب الثوري" السيف، متزمجرين متوعدين مع حرب طاحنة في سيناء، فها هي حركة 6 إبريل لم تعد تنظم أي فعاليات على الأرض وليست جزءًا من أي فعل سياسي؛ فهي تكتفي بالتعليقات الفيسبوكية ونشر الوسوم وصور المعتقلين، أما الصامتون في المحروسة فكثيرون جدًّا، بل منهم من يتعمد الغياب.. فهل هو غياب ترقب أم ذوبان وانتهاء؟!
خرجت حركة 6 إبريل عن إجماع الصامتين قُبيل ذكرى يناير 2016؛ لتُعلن بوضوح في بيانٍ اتشاحها بالسواد، وأنها ليست جزءًا من أي حراك في هذا اليوم؛ وكأنها تُريد أن تقول شيئًا لمن كان ينتظر منها أن تُعلن النزول، طرفٌ ما برح يتمنى نزولها ويرغب فيه ويُلح عليه، فنحن نرى بوضوح إصرار القيادات القديمة في جماعة الإخوان المسلمين وحرصها البالغ على التوافق والاصطفاف مع من تصفهم بالقوى الشبابية أو الثورية.
"بعض القيادات السياسية أخبروني ذات مرة، أن السفارة الأميركية تؤكد أن البيت الأبيض لا يعتبر أي حراك في الشارع ثورة ما لم تكن 6 إبريل خاصةً جزءًا منه"! نقلًا عن مقالة منشورة للدكتور "سعد فيّاض" القيادي بالجبهة السلفية والمعتقل حاليًا كتبها في نوفمبر 2014.
وقال أيضاً: "قيادة الحركة ليست حيادية كما تزعم، ولكنها مؤدلجة علمانيًا؛ وتقدم نفسها كصمام أمان ضد أسلمة الثورة عند الغرب؛ ولذلك اعتبر البيت الأبيض أنها أهم ورقة رابحة في المشهد المصري يجب دعمها ودعم هذا الدور، كما أن الحركة تطرح صورة واحدة للتوافق والقبول بعودة الإخوان للميدان، عبر حل التحالف الوطني أو اختفائه، وتحول الإسلاميين لمقاولين أنفار، والتنازل عن مرسي وتأسيس مجلس رئاسي فيه أيمن نور وشخصيات يسارية ومسيحية بلا تمثيل إسلامي، وتعهُّد بعدم الدخول في الانتخابات من الإخوان، والمقابل هو السماح بالحياة والتواجد مثل تونس حاليًا أو أسوأ".
وسواء كان صحيحًا كلام د. سعد فياض أو جانبه الصواب، فإن حركة 6 إبريل مدعوة لتحديد موقفها من قضايا واضحة، يأتي على رأسها سؤال: هل الحركة تسعى لثورة تُسقط النظام وتبني نظامًا جديدًا؟ أم عملية تغيير وبعض تطهير مع بقاء المنظومة، هل من حق الشعب أن يختار الإسلاميين دون قيد أو شرط أم ممنوع؟ هل من حق الشعب أن يتنفس آماله في تطبيق الشريعة وتذوق طُهر ما أحل الله وتجنب المحرمات أم لا؟
هل الدستور تكتبه لجنة مُعينة أم منتخبة؟ هل يكون فوق الدستور مبادئ حاكمة على رقاب الشعب وقواعد فوق دستورية مهيمنة ومتوغلة على سلطان الناس وحقهم في تقرير مصيرهم؟ هل مثلًا إن حدث تغيير في مصر وفاز حازم أبو إسماعيل بانتخابات الرئاسة ستعملون على إسقاطه كما فعلتم مع الرئيس مرسي؟ هل الدولة المدنية ضد الإسلام أم مع الاحتكام للقرآن والسنة؟
إذًا هناك أطراف فيمن يُسمون أنفسهم رافضين أو مُناهضين للنظام القائم في مصر تريد أن يُصحح الانقلاب نفسه، وتقبل بأن يُعيد النظام إنتاج ذاته داخل نفس منظومة القيم البالية والأفكار الضارة والثوابت المتوهمة، وذلك عبر إعادة تدوير وتقديم الماضي (قيادات جبهة الإنقاذ الإجرامية – الرموز الإعلامية الفاجرة – رجال الدين الفسدة – الحركات الشبابية الضحلة – قيادات الإخوان الفشلة) دون مراجعات أو تطهير أو قصاص أو ثورة جذرية وهدم للفساد وأركانه.
فها هو دكتور "محمود عزت" القيادي بجماعة الإخوان المسلمين والذي يخوض صراعًا كبيرًا مع إخوان مصر في الداخل على قيادة الجماعة وتمثيلها، يقول في تصريحٍ له في 25 يناير 2016: "إلى أبنائنا في الشرطة والجيش لأكثر من مليون مجند في كل عام، ليس بيننا وبينكم إلا كل تقدير وإعزاز؛ فنحن ندخركم لتحرير أقصانا وعزة أوطاننا وأمتنا".
إذًا قد يعتبر غير واحد أن بيان اتشاح 6 إبريل، وتصريح د. محمود عزت هي تصريحات غير موفقة، وآخر يعتبرها "أسافين" مقصودة عن عمد لإحداث إرباك ونزاع وتشويش وبلبلة في وجه من يُراقبون بأمل أو من يُريدون إحداث تغييرات جذرية حقيقية في المشهد المصري، وفي كل الحالات تبقى عبارات د. "محمد يسري سلامة" -رحمه الله- مُعبّرةً بجلاء عما نعيشه اللحظة: "لن أندم أبدًا على الثورة وعلى مشاركتي فيها، وهي أجمل وأطهر وأنبل حدث في حياتي، وليس ذنبنا أننا قمنا بها وسط انتهازيين وجُهّال معدومي الوعي!".
ومهما قلنا وانتقدنا ورفضنا منهج حركة 6 إبريل رفضًا بالغًا، فإن هذا لا ينفي أنها ضمّت عبر السنوات الماضية شبابًا يملأه الصدق والتضحية والأمل والبذل والحماس، شباب يريد العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والحق والصواب والحلال والحكم المدني، شباب لا يُريد الحرام ولا الحكم العسكري أو الحكم الديني الثيوقراطي أو الفوضى.
ونحن مثل هذا الشباب الذي لا نعرف موقعه الآن، سواء ما زال مع الحركة أو ضدها، مؤيداً لها أم انشق عنها، ولكن إنْ بقي فيها من صادقين نقول ناصحين اكتسوا واتّشحوا بالنور والوعي والمعرفة والدراسة والمراجعة والبحث والفهم والإدراك والتدقيق والحكمة والرشاد، ولا تتغطّوا وتتّشحوا بضيق الأفق والضحالة وقلة الوعي، ولا تكونوا وشاحًا ورداءً يُزيّن تنازلات الإخوان أو يوالي ويخدم العسكر والأميركان!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.