لا شك أن الكثير من العقول الأمنية والسياسية في الوطن العربي، وفي العالم، أخطأت كثيراً في طريقة تقييمها وتحليلها لقدرات وإمكانيات تنظيم الدولة، ولقد أخطأت هذه العقول -وما تزال- قبل وبعد هجمات "بروكسل"، رغم أن تنظيم الدولة أكد من خلال هذه العملية، ومن خلال العمليات التي سبقتها، أنه يتميز بامتلاكه لآله إعلامية قوية ولتكتيكات عالية الدقة، ولقد أوصله ذلك لنقاط إستراتيجية محصنة أمنيًّا في أوروبا كالمطارات ومحطات الميترو وقاعات الحفلات الكبرى.. إلخ.
وبصراحة لا أعرف كيف تم بناء وتكوين هذه التحليلات غير الواقعية أمام ما نشاهده اليوم من قوة كبيرة يتميز بها تنظيم الدولة أصبحت ترهب أقوى الأجهزة الأمنية في العالم.. قلناها من قبل (منذ سنتين عندما بدأ توسعه من العراق إلى الساحة السورية)، وها نحن سنعيد قولها اليوم: تنظيم الدولة يمتلك إمكانيات ضخمة لا يستهان بها أبداً..
ونستطيع القول بأن قوة تنظيم الدولة (داعش) لم تأتِ من فراغ، بل هي عصارة لعقول تخطط بطريقة فريدة أدهشت بعض العقول الأمنية والسياسية الكلاسيكية في العالم.. حيث اعتمد تنظيم الدولة على الوسائل التكنولوجية الحديثة للنشر الإيديولوجي، ولاجتذاب عناصر جديدة للتنظيم، وكذلك تركيزه على الصورة والفيديوهات "البروباغندية" والأناشيد الحماسية، وتركيزه من حين لآخر على الهجمات الاستعراضية لضرب استقرار دول كان يعتبر التعرض لها في فترة سابقة ضرباً من الخيال..
أما أهم ما يميز التنظيم هو اعتماده على تركيبة تنظيمية فريدة تختلف عما تم اعتماده من طرف تنظيمات سابقة، وذلك من خلال تكوينه لخلايا عنقودية لا ترتبط فيما بينها بعلاقات عضوية، ولا ترتبط بأي حال بالمركز، أي أن "تنظيم الدولة" هو تنظيم دولي عنقودي، وليس تنظيماً إقليميًّا هرميًّا كما هي القاعدة مثلاً، وهذا ما يزيد من صعوبة عمل أجهزة الأمن في مواجهته.. حيث إن القضاء على بعض العناصر في أوروبا لا يضر بأي حال من الأحوال بالتنظيم.. أي أنه يمكن تشبيه التنظيم بشجرة التي حتى وإن فقدت غصناً من أغصانها فإنها ستستمر بالنمو بدون أدني إشكالية.. مع الإشارة هنا إلى وجود فرق أساسي في هذا التشبيه بين الشجرة والتنظيم، حيث إن الأولى يمكن اقتلاعها من جذورها الواضحة والظاهرة، أما التنظيم فهو بدون جذور واضحة ومعروفة يمكن ملاحظتها وباقتلاعها يتم القضاء على باقي الأغصان، ولذلك، كل ما يمكن فعله اليوم من طرف بعض الأجهزة الأمنية هو القضاء على بعض الأغصان فقط، أما الجذور فهي مبهمة لهم وغير واضحة..
كل هذه العوامل وغيرها ساعدت في تطور تنظيم الدولة اليوم وتحويله إلى بعبع حقيقي فاجأ الأجهزة الأمنية التقليدية، وفاجأ كذلك بعض المتخصصين الكلاسيكيين، الذين لم يستوعبوا بعد بأن تنظيم الدولة أصبح شبحاً مُخيفاً من الصعب جداً توقيف تمدده.. وحسب المعطيات الإقليمية والدولية فالمفاجآت قادمة لا محالة من هذا التنظيم ويجب الاستعداد والتخطيط لبناء إستراتيجية أمنية بين مختلف الأجهزة الأمنية لمواجهته..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.