إفريقيا.. الجنة المتفائلة

كل هذه المميزات الإيجابية والتطورات التقدمية الباهرة أحياناً والمحدودة أحياناً أخرى، تجعل المنتظم الدولي يصف بتفائل الألفية الجديدة بـ"القرن الإفريقي".

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/24 الساعة 05:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/24 الساعة 05:53 بتوقيت غرينتش

تبدو إفريقيا المعاصرة على أنها مرادف للحروب الدائمة والصراعات المسلحة وعدم الاستقرار السياسي والعنف الجنائي، في حالة دائمة للطوارئ الإنسانية، تعاني الهجرات السرية أو العلنية، التدفقات الهائلة للاجئين والمشردين داخليًّا، تحت رحمة الكوارث الطبيعية مثل المجاعة والجفاف والفيضانات، والتي اجتاحها وباء فيروس السيدا وإيبولا، مع أكثر من 40 في المائة من السكان الذين يعيشون تحت عتبة الفقر، وهو أقل من دولار واحد في اليوم. وفق بعض المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية. انتقلت القارة السمراء من الهامش إلى 'هامش الهامش' في التقسيم الدولي للعمل والتقسيم الدولي للسلطة.

ولعل هذا الوصف التحقيري للقارة على أنها "القارة الميؤوس منها" أو "الجنة المتشائمة"، لا يأخذ بعين الاعتبار بعض العناصر المتناقضة من التقدم والتنمية في إفريقيا، في تحدٍ مستمر لكل الانتكاسات، والتجديد في المقاربات لتعزيز الديمقراطية وترسيخ دولة الحق والقانون، والمجهودات الهائلة في مجال الدبلوماسية الوقائية، وإدارة النزاعات للحفاظ على السلام والأمن الإقليميين، حتى أن بعض البلدان الإفريقية حملت لقب "النهضة الإفريقية" لمعدلات نموها الاقتصادي المذهل، جاعلة من القارة محطة اهتمام كبير للدول العظمى التي تحاول جاهدة الزج بمؤسساتها الاقتصادية والاستثمارية من أجل استغلال الثروات الطبيعية التي تتمتع بها القارة السمراء.

فإفريقيا تعتبر من أكبر الأسواق الواعدة في العالم، من حيث عدد السكان الذي يتجاوز المليار نسمة، إضافة إلى مساحتها الشاسعة، التي تبلغ 30 مليون كيلومتر مربع، ما يعني خُمس مساحة اليابسة في العالم. كما أن إفريقيا تعتبر مخزون العالم من حيث الثروات الطبيعية حيث تمتلك نحو 124 بليون برميل من احتياطي النفط، أي نحو 12% من احتياطي العالم. أما بالنسبة لاحتياطيات القارة من الغاز الطبيعي فتبلغ نحو 10% من الاحتياطي العالمي الكلي، حيث يبلغ رصيدها نحو 500 تريليون متر مكعب.

كل هذه المميزات الإيجابية والتطورات التقدمية الباهرة أحياناً والمحدودة أحياناً أخرى، تجعل المنتظم الدولي يصف بتفائل الألفية الجديدة بـ"القرن الإفريقي". طبعاً بشرط أن يتم بناء فعلي وجدي لمؤسسات مستدامة، ونشر قيم السلام والأمن المستدام، من قبل ولأجل الشعوب الإفريقية والمجتمعات مما يخدم المنافع العامة للقارة.

وقد أكد التقرير الأممي لسنة 2005 على الطابع غير القابل للتجزيء لمسألة السلام المرتبط بالتنمية من جهة وبالمسؤولية الجماعية والتعاون الدولي من جهة أخرى، علماً أنه في القرن الحالي، لا يمكن لدولة أن تقف بمفردها تماماً، فالإستراتيجيات الجماعية والمؤسسات الجماعية والشعور بالمسؤولية الجماعية أمور لا غنى عنها. حالة الأمن الجماعي اليوم مرتبطة بقدرة الدول على الائتلاف والتصدي لتهديدات لا تعرف حدوداً وطنية، مترابطة ويجب التصدي لها على الصعيدين العالمي والإقليمي.

بمعنى أن اليوم، وأمام كل هذه التحديات التي غالباً ما تكون غير مسلحة، يستوجب على البلدان إبراز طاقتها التنموية والريادية عبر إصلاح العديد من المجالات كتحسين الإدارة العامة ومناخ الأعمال، جذب ثقة المستثمرين، توسيع البِنى التحتية، تعزيز وحماية حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليًّا والدفع بالإصلاحات الاجتماعية بتوافق واسع بما يكفل ويحافظ على السلام والاستقرار الاجتماعي للبلاد..

كل هذا قد قام به المغرب وانطلق في مسيرة إصلاحية، حيث خطا أشواطاً كبيرة في مجال تنميته الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية. كما أكد التقرير الأوروبي السنوي لعام 2013 حول سياسة الجوار الأوروبية مع المغرب مرة أخرى على دوره "من الدرجة الأولى" كحليف إستراتيجي يلعب دوراً رياديًّا في المنطقة.

فهناك حقيقة سياسية ودبلوماسية يتفق حولها الجميع أن بإمكان المغرب أن يلعب دوراً رئيسيًّا في الساحة الإفريقية العظيمة، كما تؤكد على ذلك الجولات الإفريقية التي يقوم بها الملك محمد السادس كتوجيه وتكريس لتلك الخيارات. لقد جعل المغرب من الاندماج الإفريقي خياراً جيوستراتيجيًّا، ومن القارة السمراء فضاءً مميزاً للتنمية الذاتية، من خلال اتخاذ إجراءات ملموسة والمساعدة على بناء نموذج إقليمي جديد متكامل، مقتنعاً أنه من خلال وحدة القارة سوف تتمكن إفريقيا من رفع تحدياتها الكبرى في المستقبل. ورغم أن الائتلاف الإفريقي صعب ومعقد بتعقيد القرارات الحاسمة التي يتطلب من كل دولة اتخاذها، لا سيما غير المستقرة منها، يبقى الحلم الإفريقي ممكنا وحقيقة وجنة متفائلة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد