في عالم عادل وجمهورية فاضلة ومساواة اجتماعية تسقط التفاصيل التي يختبئ فيها الشيطان دائماً، لكن في بلد يوشم جبينك وذاكرة مدينتك بالإهمال المتعمد، ويطلق تسمية فيها من الإقصاء والغلو الكثير الكثير..
عبر عقود من الزمن السوري كانت محافظة الحسكة تسمى رسمياً (المناطق النائية) بلا خجل أو تردد أو مجاملة، هكذا وبكل بساطة حُكِمَ على السلة الاقتصادية السورية أن تكون (نائية) بكل شيء خدماتيًّا وتنمويًّا وإعلاميًّا.
ولكي نغلق الأبواب على من يعشق التبرير بانهزامية واضحة دعونا نقول:
إذا كانت التسمية بسبب موقعها الجغرافي في أقصى الشمال الشرقي، فلماذا لا تطلق هذه التسمية على مناطق أخرى جغرافيًّا في أقصى الخارطة من الجهات الثلاث الأخرى؟
وإذا كانت التسمية لمنحها مزايا تنموية، فإن هذا الأمر كان غائباً فلا خطط تنموية ومشاريع اقتصادية أو مصانع ومعمل تمنح المواطنين فرص عمل!
وإذا كانت التسمية لمنح طلاب المحافظة فتات العلامات كميزة (للمناطق النائية) في القبولات الجامعية، فإن ما خسرته المحافظة من اهتمام وخدمات أكثر بكثير، وبالمقابل كان المدرسون القادمون من المحافظات "المدللة" يقبضون بدل تدريس في (المناطق النائية)، وكأنهم قد أُرسِلوا إلى المنفى في صحراء اليباب، التي كانت الدجاجة التي تبيض ذهباً لعناصر الأمن، فيتسابقون لنقل خدمتهم للجزيرة السورية!
وعلى إيقاع هذا المصطلح المريب كانت الجزيرة السورية تُغيّب إعلاميًّا، رغم أنها كانت الرافد الحقيقي للثقافة السورية على مدى سنوات طويلة بمبدعين أثبتوا مكانتهم وتميزهم على مستوى سوريا وخارجها.
وعلى نفس الإيقاع "المريب" كان بث التلفزيون السوري يدخل لمنطقة الجزيرة في النصف الثاني من السبعينيات من القرن الماضي، فلجأ اهل الجزيرة لبث التلفزيون التركي والعراقي الذي كان يغطي بثه معظم أنحاء المحافظة.
وأيضاً على نفس الإيقاع "المريب" كان أهل المحافظات الأخرى يتعاملون باستغراب مع أهل الجزيرة متسائلين عن تفاصيل منطقة الجزيرة، ويفاجأون عندما يعلمون أنها لا تختلف كثيراً عن مدنهم وأنها ليست صحراء قاحلة.
هكذا أمضت "المناطق النائية" في سوريا عقوداً من الزمن تعاني الإهمال والتهميش والتهشيم، وبقيت معطاءة بكرم لسوريا رغم كل الظلم الذي حاق بها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.