إلى الحبيبة، حبة القلب ومهجة الفؤاد، إلى ابنتي الغالية، إلى الحبيبة قد اشتد بي الشوق إليكِ، إلى رؤيتك يا جميلة الورد، يا ريحانة الزهر. أراني اليوم أسعد الناس بقدومك وملامسة يديكِ وسماع دقات قلبك، حتى صارت دقات قلبي من اليوم لا تدق إلا من بعد سماع دقات قلبك الرقيق، أصبح قلبك ينبض بالحياة لكِ ولي.
يا روح الفؤاد ونعيم القلب.. هلا حكيت لكِ حكايتي مع الأيام والليالي من قبلك..
هلا حكيت لكِ عني، عن أبيكِ الذي طاف أرجاء الدنيا بحثاً عن الحب، عن المودة والرحمة الحنان، عنه حين أطبقت عليه الدنيا حتى ظن أن الموت أقرب إليه من الحياة، لقد مر أبوكِ بالكثير والكثير في الحياة.. بدءاً من الموت ونهايةً به حتى صار لا يخافه، لكنه يحترمه لما له من مهابة وإجلال.
صاحَبْتُ الوحدة كثيراً يا ابنتي حتى ظننت أنها كل الدنيا، وثقت في أناس لم يكونوا يوماً أهلاً لتلك الثقة، أعطيتهم من نبض قلبي دقات ودقات، حتى انفطر القلب من بعدهم وظننت أنه لا جبر لقلبي بعد اليوم، كان اليأس يدق بابي في اليوم آلاف المرات، والشوق يعتصر قلبي حتى تذوب الضلوع، كانت الحياة تغلق أبوابها أمامي كل يوم كأنني في سوق شارفتْ ساعات العمل به على الانتهاء، أذهب إلى دكان يغلق الباب، فأغادر إلى آخر لأجده قد أغلق أبوابه منذ ساعات، أركض سريعاً محاولاً إدراك آخر أجدني أخطأت العنوان، أجد دكاناً ما زال مستعداً لاستقبالي، لكني أخطئ في تحديد طلبي فأحصل على لاشيء.
هكذا كانت أيامي يا حبيبتي وقد بلغ بي ضيق الحال مداه، في هذه الأثناء يلوح طيف الأمل على يد بعض الكرام، أولئك الذين يتقربون إلى الله بجبر الخواطر، أولئك الذين يسعون بالمودة والحنان دوماً، كانوا هم الأمل في نظري بعد أن تقطعت بي السبل وانعرج بي طريق الأمل في وادٍ سحيق، كانوا نوراً في الحياة من بعد أولئك الذين لطالما أحسنت إليهم ثم تنكروا لي، لا لشيء قد فعلته، لكنهم أناس نقابلهم في الطريق لهم دور ويجب أن ينتهي بلا رجعة يوماً ما، هكذا البعض ليس له شيء من دور البطولة.
ثم أحدثك ثانياً عن الكرام من كانوا يهتمون بي دون طلب، من سعوا في جبر خاطري، من يحسن إليَّ حق الإحسان، ومنهم من لم أفعل له شيئاً قط، إنما يحسن إلى من باب الإحسان، ذلك الباب الذي طالما حلمت أن أدخل الجنه منه، لا أعلم إذا كان للجنة باب يسمى باب الإحسان، ولكني أعتقد يقيناً أن من يجبر خواطر العباد له قدر عظيم عند الله تعالى، من يكرم الخلق له الإكرام عند الله، أما وقد كان الكلام الطيب هو أصل جبر الخواطر، قد أيقنت في هذه الدنيا يا ابنتي أن الكلمة الطيبة هي كل شيء، أن جبر الخواطر هو الأمل الحي بين الناس، أن الرحمة هي سبيل النجاة من ظلام الدنيا إلى نور الآخرة.
يا ابنتي الحبيبة عندما يحين يوم زفافك أجدني أجهش بالبكاء ملء عيني وقلبي، لكنني أعدك بأنه حينما يأتي من يستحق جوهرة أيامي وأغلى نبض في قلبي، فإنني لن أطلب شيئاً أبداً سوى إكرامك ثم إكرامك ثم إكرامك، ولا شيء سوى إكرامك، أما والله إنني قد رأيت أن الحب والمودة والإخلاص أغلى شيء في الزواج، فالاحترام والتقدير يا ابنتي هو كل شيء، دعك ممن يتحدث عن النيش وطقم الخوشاف والأركوبال، دعك ممن يتحدث عن الحلل وأطقمها وعن الكاسات البوهيمي، ولنتحدث معاً عن الحب الذي رآه الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في عين سيدنا علي، وقال له هل معك من شيء، قال: لا، قال قد حدثتني عن درع. وتزوج سيدنا علي ابن أبي طالب السيدة فاطمة الزهراء بدرع.. تزوج بنت النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بدرع.. ولكنه الحب والوفاء
يا ابنتي..
ليست المرأة سلعة لمن يدفع أكثر يا حبيبتي، إنما هي روح أبيها ومهجة قلبه ودواء مرضه، فالزواج يا ابنتي إنما هو عهد قبل عقد، عهد بالحب والوفاء، عهد بالإخلاص والحب إلى ما لانهاية، إنما هو عهد بالإحسان حتى في أصعب الظروف وأشد المواقف، عهد بالرحمة في لحظات الضعف والألم، عهد قبل أن يكون عقداً يا ابنتي، حافظي على العهد يا ابنتي قبل أي شيء، وإلا فلا تعهدي إلى أحد، فالعهد كان مسؤولاً.
أما عن الرجال، فاعلمي أنهم مساكين في الأرض يبحثون عن السكن، والسكن هنا هو ما قال عنه رب العزة سبحانه وتعالى {..خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا..} (الروم 21).
يظل الرجل يسعى طول عمره ويرتاح في السكن، كوني خير سكن يا ابنتي واعلمي أن الرجال جميعاً هم أضعف الخلق أمام السكن.
ثم اعلمي جيداً أن نجاحك في الحياة بما تقدمينه أنتِ للمجتمع من حولك من نجاح في الدراسة والعمل ونجاحك الأعظم في تربية أبنائك ومساعدة زوجك على المضي قدماً في طريق الحلال والنجاح، أما وإنك الأم فأنت كل المجتمع، نجاحك هو نجاح للأسرة بأكلمها وفشلك هو ضياع الأسرة، لذا الزمي طريق النجاح في كل شيء في الدراسة والوظيفة وكل شيء..
كوني على يقين من أنك كل المجتمع يا حبة القلب، ومهجة الفؤاد؛ لذا اسلكي أعظم الطرق في الحياة، وانطلقي حتى الدكتوراه في الشهادات العلمية، بل وارتقي فوق ذلك كله بالنجاح في بيتك وجامعتك وعملك، حتى يكون النجاح طريقك وطريق أسرتك.
أوصيكي خيراً بزوجك وكوني له خير السند والعون، فالرجال مساكين بحق يعشقون طيب الكلام ورقيق المشاعر ويبغضون الضيق والضجر، أما وقد نظر إليكِ فابتسمي دائما، ولتجعلي ابتسامتك هي نور حياته ونور البيت حتى متي ابتسمتِ أشرقت شمس بيتك.
ولتكوني مع أولادك الأم والصديقة والرفيقة والطفلة الشقية، اجعلي طفولتهم حقيقية، اجعليها لعباً وحبًّا ونعيماً، واحرصي كل الحرص على غرس القيم والأخلاق بالقدوة أولا قبل الكلام، كوني مثالاً لهم قبل أن تكوني ملقنة لكلام الأخلاق، ارحمي الكبير قبل الصغير ولا تضربي الولد أبداً، وإنما يعنفه أباه ولا تجعلي زوجك يضرب ابنته أبداً، ولكن تعنفيها أنتِ، حتى يكون الأب هو ملجأ ابنته وتكون الأم هي ملجأ ابنها، فلا يتعلم طفلٌ القسوة على أمه ولا تكره البنت أباها.
أما عني أنا فإذا ما كان في العمر بقية فإنني سأظل محبك وعاشقك الأول وأول من تكلم معكِ عن الحب، سأظل الأول وليعلم زوجك أنني في تنافس
معه على حبك.. إلى حبيبتي التي لم تأتِ بعد..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.