حتمية تجديد النخب السياسية

سلوك بعض زعماء الأحزاب السياسية المغربية في سياق الموضوع، لا يُعَرِّض النظرة المجتمعية للأحزاب بالتآكل، بل يؤثر على المشهد السياسي بمجمله، ويجعل منه باحة لمجموعة من السلوكيات تكرس الذاتية وتعيد تكرار نفس المنطق البراغماتي وتوطيد الطابع الهش للواقع الحزبي بالمغرب.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/10 الساعة 05:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/10 الساعة 05:40 بتوقيت غرينتش

تعد فكرة تجديد النخب من أهم وأبرز معالم تقدم وتطور أي مجتمع سياسي، بناء على فرضيات وأسس منها الثابت والمتحول، وأيضاً من خلال صراع الحقب والأجيال وترجمة حقيقية لدينامية المجتمع وتماهيه مع التحولات السوسيوسياسية والاقتصادية وحتى المجتمعية التي يعرفها العالم، ومدى تقبله لمشاريع عقلانية حداثية تستوعب خصوصيات المجتمع، الذي سيتم تبيئة جل الأفكار المتقدمة داخله، وصهر جميع المكنيزمات الممكنة من أجل استمرارية الفكر الإنتاجي المتجدد.

في ظل ما يعرفه المجتمع السياسي المغربي من تحولات العمل الحزبي، عجلت ببروز خطابات تصب في خندق تشبيب الهياكل وإعادة سيرورة التنظيمات بضخ نخب جديدة شابة قادرة على دفع عجلة التنمية السياسية للأمام، في ظل ما عرفه المجال الإقليمي العربي بتنوع تمذهباته من ديناميكية وحراك شعبي، قادته نخب شابة طمحت للتغير، وأعادت خلط الأوراق من جديد، لكن ظل الأمر حبيس الصالونات الثقافية والندوات العلمية دون تفعيله بشكل جدي يبرز القيمة الحقيقية لهذه للطاقات الخلاقة داخل الجسم السياسي المغربي، أضف إلى ذلك تخلف الأحزاب ذات المرجعية التقدمية عن إنتاج مثقفين عضوين أصحاب النزعة الفكرية القوية، من أمثال العروي والجابري وكسوس والخطيبي وأمليل.. وغيرهم. وغياب تام داخل السجال التنظيمي للأحزاب لمشاريع تروم لزرع نبت مثقفين قادرين على إرساء مبادئ فكرية حقيقية في حين نرى مشاكسات قوية تروم لإقصاء الفئة المثقفة غير المتحزبة، ونهج سياسة العداء نحوها، كلما طفت على السطح الخطابات الرامية للانفتاح والتعدد.

وأمام تعنت وعدم قدرة قادة الأحزاب المغربية على استيعاب قدرة الفعاليات الشابة والمثقفة على خلق حياة متطورة داخل المحيط السياسي المغربي، وتلويحها كلما دعت الضرورة بورقة الشرعية التاريخية، وتشبثها بحتميات كلاسيكية متجاوزة والتعامل بمنطق الوصاية والإرشاد وخطاباتهم الطوباوية الفوقية ورفع شعار التعالي واستحاء فكر الزوايا الدينية في إرساء معالم سياسة الشيخ والمُريد، كما عبر عنها الأستاذ عبدالله حمودي في كتابته وتعبيراته عن مفهوم السلطة في دراسته الأنثربولوجية للموضوع وتأصيله للمفاهيم بطريقة مدققة، ومحاولة تصريف خطاباتهم وترانيمهم بأسلوب دغمائي يكرس الطابع الأفقي وفرض أسلوب التلقي واجترار صادرتهم المتهالكة من طرف الشباب، أضف إلى ذلك غياب الديمقراطية الداخلية في عمق الكيانات الحزبية المغربية، فكلما اقتربت من مراكز القرار تراءت لك معالم السلطوية والدكتاتورية الإدارية.

إن مظاهر الصراع بين الشبيبات الحزبية وقيادتها لا يمكن فصلها عن الحالة المترهلة التي تعيشها الأحزاب السياسية وعدم قدرتها على مواكبة السير المجتمعي، وخلق نظرة شاملة لما يعرفه المجتمع من تحولات، بالإضافة إلى ما تعيشه من معضلة مرضية تنخر جسد الأحزاب المغربية في تدبير اختلافاتها الداخلية، مما يترتب عليها انشقاقات متعددة في بنائها التنظيمي، مما عجل بميلاد العديد من الأحزاب السياسية فاقت الأربعة وثلاثين حزباً، دون وجود بدائل حقيقية تسرع بوضع قطيعة مع الماضي، وتدبر المراحل المتعاقبة بأسلوب عقلاني يتمشى والخصوصية المغربية، التي تعرف تحولات حقيقية يستلزم معها بلورة وظائفها الداخلية بشكل جاد لا من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية، وفك العزلة عن سياساتها المتبعة بالانفتاح على جل أطياف الواقع الاجتماعي والابتعاد عن شخصنة المواضيع، وخلق صراعات جانبية تميع العمل السياسي بخطابات شعبوية تبخس المجال وتنفر منه.

فسلوك بعض زعماء الأحزاب السياسية المغربية في سياق الموضوع، لا يُعَرِّض النظرة المجتمعية للأحزاب بالتآكل، بل يؤثر على المشهد السياسي بمجمله، ويجعل منه باحة لمجموعة من السلوكيات تكرس الذاتية وتعيد تكرار نفس المنطق البراغماتي وتوطيد الطابع الهش للواقع الحزبي بالمغرب.

من الحتميّ اليوم فتح المجال أمام نخب شابة ومثقفة وجيل جديد من الأطر النيرة لاعتلاء مراتب قيادية داخل الفكر الحزبي، قاطعين مع منطلق مزاجية الزعماء في اختيار الخلف وتجاوز سياسة التوريث ومأسسته، عبر وضع مناهج وقواعد تنظيمية لا تترك المجال لإنتاج نخب بنفس عقلية السالفة عبر الانغلاق والانحصار، فطبيعة المرحلة الآنية المنفتحة على جل الأوساط والمجالات، تجعل من إشارك المثقف والشاب المغربي ضرورة ملحّة بلعبه أدواراً ريادية داخل المشهد السياسي والحزب المغربي، متناسين هوس تأثيث الساحة واكتفاءه بدور الكومبارس السياسي.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد