ما هو تنظيم الـ”كو كلوكس كلان” الإرهابي؟

أنت لست معي؛ إذاً فأنت ضدي.. لا تستحق إلا الموت.. هذا هو المحتوى الضِّمني الذي كان يتملك المنتسبين لهذه الجماعة، والذي كان سبباً في أن يتعدى شرهم حتى إلى البِيض، فقط لمجرد تعاطُفِهِم مع استضعاف السود.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/03 الساعة 04:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/03 الساعة 04:19 بتوقيت غرينتش

منَ المعروفِ والمعلومِ بالضرورة أنَّ تملكَ واكتساب الذهنِ للمعلومة والمعرفة بأنوعها أمرٌ جيد وإيجابي. وهوَ الممكن في الغالب، لكن الحنكة والتميز تكمنُ في توظيفِ واستخدامِ تلكَ المعرفة في المكانِ والزمانِ المناسبين لها.

"كو كلوكس كلان" اسمٌ تردد في وسائلِ الإعلامِ العالمية في الفترة الأخيرة، إثرَ التصريحِ الذي أدلى بهِ وزيرُ الخارجية السعودي عادل الجبير ردًّا على أَحدِ الحاضرين في مؤتمرهِ الصحفي، والذي ربطَ الإرهاب الذي تعجُّ به منطقة الشرق الأوسط بالـ"الإسلام" في سياق كلامه.. لم تفت على الجبير تلك اللفتة، وعالج ذاك السائل بأن تعميم ذلك وتصنيفه ضمن دائرة الإسلام، يماثله تسمية تنظيم الـ"كو كلوكس كلان Ku Klux Klan تنظيماً مسيحيًّا .
ردٌ يحوي ضمنيًّا المثلَ القائل: منْ كانَ بيتهُ مِنْ زجاج، أولى بهِ أنْ لا يرمي الناسَ بالحجر.
لكن..
ما هو هذا التنظيم الإرهابي الأميركي المنشأ؟

شيءٌ من البحث مع قليل من الإِنصاف يجعلكَ تقفُ على تطابقٍ عجيب في بنيةِ وهيكليةِ مختلف التنظيمات الإرهابية، بلْ ومراحلِ تطورِها أيضًا، بدءًا بالأفكارِ والأساليب، وانتهاءً بالمظهرِ والشكلِ الخارجي. لنستعرض سريعاً السيرة الذاتية لـ"كو كلوكس كلان" أو المعروفة بالـ"KKK"، وسأترك لك عزيز القارئ باب المقارنة مفتوحاً بينها وبين التنظيمات الإرهابية الحديثة على الساحة الآن، كالميليشيات الطائفية في العراق وجاراتها..

تأسست هذه المنظمة أو الجماعة في نهايات القرن التاسع عشر، ونشطت وانتشرت في أنحاء أميركا مع عشرينيات القرن العشرين. محاربة تحرير السود ونيل حقوقهم المدنية إضافة إلى القضاء على وجود الأقليات في أميركا حينها مثل اليهود والكاثوليك كان أهم المرتكزات التي أسست عليها هذه المنظمة. مطامعهم المادية إضافة إلى ممارساتهم السادية كان لا بد من تغطِيَتِها وتَورِيَتِها بِقالبٍ يجذِبُ المُؤَيِّدينَ والمناصرين، فكانت "العاطفة الدينية "المرتبطة مع قِلَّةِ الإِدراكِ العِلمي لدى الأوساط العامة هي الوسيلة المثلى لذلك، وفِعْلاً نادت المنظمة بسامية العِرقِ الأبيض المعتنق للمذهب البروتستانتي المسيحي على جميع الأعراق والمذاهب الأخرى، وبدأت شعبيتها بالازدياد والظهور بقوة عام ١٩١٥ ميلادي، حيث بلغ تعداد المنتمين إليها أربعة ملايين أميركي، كما أضافت إلى طابعها الديني الجانب القومي/الأميركي، وذلك بتخويف الناس من خطر ازدياد أعداد المهاجرين إلى أميركا، وتأثير قوانين مساواة السود والأقليات على ضياع الهوية الأميركية.

كانت الـ "كو كلوكس كلان" تتخذُ مِنَ الصليبِ المشتعلِ شعارًا لها! ويغطي أعضاؤها وجوههم، فلا تبدو إلا عيونهم! كانت عملياتهم تتسم بالوحشية بالأخصِّ على السود، حيث كانوا يقضون عليهم، إما عن طريق الشنق أو الحرق أو الرجم حتى الموت؟! إضافة إلى عمليات تفجير وتفخيخ الكنائس ودور العبادة الخاصة بالسود؟! وبلغ تعداد ضحاياهم على أقل تقدير 3450 قتيلاً خلال فترة نشاطهم وانتشارهم.

أنت لست معي؛ إذاً فأنت ضدي.. لا تستحق إلا الموت.. هذا هو المحتوى الضِّمني الذي كان يتملك المنتسبين لهذه الجماعة، والذي كان سبباً في أن يتعدى شرهم حتى إلى البِيض، فقط لمجرد تعاطُفِهِم مع استضعاف السود.

لم تفلح وسائل الحكومات الأميركية المتعاقبة في استئصال هذا الوباء من الجسد الأميركي باستخدام أدوات القوة أو القنوات العقابية، واستمر الحال على ذلك حتى آواخر الستينيات، وبالتحديد مع انتشار وازدياد أعداد المتعلمين، والذي أدى بطبيعة الحال إلى ارتفاع مؤشر "الوعي" مما أثر على جماعة "الكو كلوكس كلان" وأفقدهم اسمهم و قوتهم.

استغلال الدين لتبرير القتل وسفك الدماء، الإقصاء والقضاء على أي مخالف، استخدام أشنع وسائل القتل والإبادة بغرض الإرهاب، التركيز على استمالة عواطف الفئات العامة من الشعب قليلة التعليم، والتي تعاني الإقصاء والنقص في الخدمات دون غيرها من مدن المركز، كل ذلك بعضٌ من السِّمات والأسس المشتركة التي تكونت بها تلك المنظمات والجماعات الإرهابية باختلاف الزمان والمكان..

"الوعي" الدواء لكلِّ داءٍ فكري مزمن.. السلوك أو الفهم السلبي أي كان شكله تحتم الضرورة السيطرة عليه وكبحه من خلال القوانين والعقوبات، لكن الأهم من ذلك كله هو توفير "المضاد الحيوي" لتلك المفاهيم والأفكار الظلامية الهدامة التي امتلأت بها عقول مناصري ومنتسبي تلك الجماعات..
إلى اللحظة التي تمت بها كتابة هذه السطور، ما زال الغرب يعاني بعضَ أعراض العنصرية العرقية المقيتة، والتي لم ينجح باقتلاع آثارها تماماً كما فعل الإسلام في أتباعه قبل ألف وأربعمائة عام، يوم كانت في أشد وأبشع صورها سلوكاً متجذراً في النفوس، عن طريق الفهم السليم لمصادر التشريع والتلقي لهذا الدين.

حصنت مصادر التشريع الإسلامي الحضارة الإسلامية الأولى من الانجرار وراء ثقافة التعميم المجحفة، فما رفضه الإسلام لغيره؛ أولى به أن يرفضه لنفسه ابتداء. والحقيقة التي يجب أن "نعقلها" هي أننا كمسلمين لسنا ملزمينَ بأن نكون في موقف الدفاعِ دائمًا لتبريرِ تصرفاتِ بعض المنتسبين لهذا الدين، ممنْ شذَّوا عن مظلةِ القيمِ التي جاء بها الدِّين والمعلومة والمعروفة لكل عاقل منصف مبتغ للحقيقة، نعم، ملزمون بالدعوة والتوضيح والبيان من منطلق "توعية" و"إرشاد"، لا "تبرير" و"دفاع" على وجه دائم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد