الدول لا تختار جوارها، ولكن تختار كيفية التعامل والتعايش فيما بينها، وذلك من خلال ما يُصطلح على تسميته بالعلاقات الدولية، وهي محصلة العلاقات الاقتصادية، والسياسية، والإيديولوجية والقانونية، والدبلوماسية ما بين الدول ومنظماتها، وهيئاتها، وقواها السياسية، وحركاتها المجتمعية المؤثرة.
والعلاقات ما بين الدول ليست ثابتة بل هي عرضة للتبدل والتغيير بحسب ما تستدعي الضرورة تحت ضغط وتأثير السياسة الدولية.
السياسة العُمانية في تعاطيها مع الأحداث الإقليمية والدولية، أصبحت تمثل لغزاً للكثير من المتابعين وخصوصاً في تعاطيها مع ملف العلاقات السياسية بينها وبين كل من إيران والسعودية، حيث أصبح هذا الملف يثير الكثير من الجدل والنقاش حول ماهية الأسس والثوابت التي تؤثر وتتحكم في توجيه مسار العلاقات العمانية بين الطرفين (السعودية وإيران) اللذين يتمتعان بتأثير ونفوذ كبير ليس في المنطقة الإقليمية فحسب، بل وعلى المستوى الدولي، واللذين لم يكن الصراع العسكري بينهما أقرب كما هو الحال اليوم.
فسلطنة عُمان وإيران ترتبطان بعلاقة تاريخية قديمة، لم تكن ودية دوماً، حيث عانى الساحل العماني تاريخيًّا من الغزو الفارسي أكثر من مرة، كما سجل التاريخ انتصار عمان على الفرس ودحرهم في مرات عديدة.
أما في فترة الدولة العمانية الحديثة منذ 1970 فقد اتخذت العلاقة شكل التعاون السياسي الهادئ، بالرغم من ازدياد ضجيج المنطقة بالصراعات، بعد وصول نظام الخميني للسلطة في إيران، والذي شكل تهديداً صريحاً لمنطقة الخليج، من خلال تبنّيه ورفعه لشعار تصدير الثورة، بدأ من الحرب الإيرانية على العراق، وماتلا ذلك من غزو العراق للكويت في عام 1990، ومروراً بحرب الخليج الأولى، والغزو الأميركي للعراق في عام 2003، الذي أعقبه ازدياد شراسة التدخل الإيراني في العراق، وسوريا، والبحرين، واليمن.
وهو الأمر الذي اعتبرته السعودية تهديداً لوحدتها وخطراً صريحاً على أمنها، مما دفع المملكة ودول مجلس التعاون باستثناء عمان، بإطلاق عملية "عاصفة الحزم"وقد سبق ذلك ان رفضت سلطنة عمان قيام الاتحاد الخليجي والانضمام إليه، حيث ظلت السياسة العمانية دائماً تقف على مسافة، ولا تنخرط بشكل مباشر في أي صراع إقليمي أو دولي، وترفع شعار عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وفي نفس الوقت الذي تسعى عُمان فيه إلى التقريب بين إيران ودول الخليج العربية الأخرى؛ لعبت دور الوسيط السري بين إيران وأميركا في موضوع الملف النووي الإيراني، الأمر الذي لم تتقبله دول مجلس التعاون التي رأت أن السياسة العمانية تغرد خارج السرب وأن عمان تمثل لغزًا محيرًا في الصراع بينها وبين إيران، ففي الوقت الذي تحتفظ سلطنة عمان وتتمسك بخيارها وواقعها الخليجي سواء في العلاقات الثنائية بينها وبين باقي دول المجلس، وحرصها على العمل الخليجي، من خلال المشاركة الفعالة في كل اللجان والهيئات المنبثقة من مجلس التعاون الخليجي، أو من خلال الوساطة بين الدول الخليجية وكل من إيران، وسوريا، واليمن، إلا أنها في نفس الوقت تحتفظ بعلاقات جيدة مع إيران وترفض أي تحالف خليجي ضدها، كما حدث في "عاصفة الحزم".
إن ما يعتبره البعض لغزاً محيراً في السياسة العمانية، هو في الحقيقة ليس كذلك، لأن سلطنة عمان تعتمد في سياستها الخارجية مجموعة مبادئ أعلنتها منذ زمن، ولا تمل تكرارها، أول تلك المبادئ هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، مما يعني بالضرورة رفض السياسة العمانية لأي تدخل او إملاءات من الدول الأخرى في شؤونها الداخلية، مما يجنبها التأثيرات السلبية التي قد تأتي من أي تدخل إقليمي في الشأن الداخلي العماني، وذلك لصون الوحدة الداخلية وتمتين سلامة التركيبة السكانية الداخلية، والتي هي عبارة عن تنوع قبلي ومذهبي حيث يعتنق سكان عمان المذهب السني، والأباضي، والشيعي.
أما المبدأ الثاني في السياسة العمانية هو رفض سياسة قطع العلاقات السياسية بينها وبين الدول الأخرى، وهذا الأمر كان واضحاً بعد اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، حيث رفضت سلطنة عمان قطع علاقاتها الدبلوماسية مع مصر، على الرغم من قطع معظم الدول العربية لعلاقاتها مع مصر، وهو ما حصل خلال الغزو العراقي للكويت، حيث لم تقم سلطنة عمان بقطع العلاقات مع العراق، بالرغم من قيام كل دول مجلس التعاون بقطع علاقاتها مع العراق، وتكرر الأمر نفسه مع سوريا في الوقت الحالي، كذلك لم توافق سلطنة عمان على نقل سفارتها من صنعاء إلى عدن أسوة ببقية دول مجلس التعاون الخليجي.
والمبدأ الثالث في السياسة الخارجية لسلطنة عمان هو رفض سياسة المحاور والأحلاف والانحياز في الصراعات الدولية، إذاً نحن هنا أمام حالة لدولة خليجية مختلفة في التوجه والتفكير والاستقلال السياسي، تعتمد في خططها ورؤيتها ومقاربتها السياسية، على إرث يتمتع بخصوصية ثقافية مستمدة من تاريخ حضاري موغل في القدم، سواء في التعاطي مع المحيط الخليجي أو العربي، أو الإقليمي، أو الدولي، وتصاغ على حقائق الجغرافيا، والتاريخ والجيوستراتيجية، وتتحكم في مساراتها وتضبط إيقاعاتها قيادة سياسية ذات رؤية مختلفة، تؤمن أن الصراع والحروب تحتاج إلى دبلوماسية سواء لمنعها أو لحلها، بعد أن تضع تلك الحروب أوزارها، وهنا لا بد من البحث عمن يملك الحياد الإيجابي ويلقى قبول الأطراف المتصارعة وثقتهم، وبدون استحضار تلك الحقائق التي ترتكز عليها السياسية الخارجية العمانية، لا يمكن البدء في فك لغز السياسة العمانية ومحاولة سبر أغوار ما يعتقده البعض غموضاً على الرغم من وضوحه التام.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.