لا مجال للسكوت على خطر الرئيس

هذا النظام لم يعد فقط خطر على الوضع السياسي والإقتصادي في مصر بل تجاوزت خطورته أبعاد غير مسبوقة على أي نظام سبقه، فهو الأن أصبح يراهن على بقائه بتجهيل الناس وهدم كل الثوابت والأساسيات في سبل التعامل وطرق الحوار بين الأنظمة وشعوبها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/25 الساعة 05:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/25 الساعة 05:20 بتوقيت غرينتش

– عجباك البهدلة دي يا عبدالموجود؟! هان عليك ابنك تمرمطه المرمطه دي؟

– قولتها بعضمة لسانك! "ابني"

– انت اتخبلت في مُخك يا جدع انت! باينلك كبرت وخرفت

– تسرقوا مني الولا حي وميت!

– كل اللي بتعمله دا مش حيرجّع الواد من تاني.. فوق لروحك واتقي الله في شيبتك.. إيه إللي حينوبك من الغاغه دي؟! السجن.. انت ناسي إنك مشارك في المُصيبة.

– السجن إهون عليا من إللي جرالي

– ومراتك؟! وبنتينك؟! حترتاح لما يتشردوا؟! ابنك حيرتاح في نومته لما أمه وإخواته يمشوا مشي بطال ؟!
– ششش.. قطع لسانك

– أنا ببصّرك يا بهيم.. إيه إللي حينوبك لما نتسجن كلنا؟ حيرجع الواد؟
لأ ابنك مات شهيد يا عبد الموجود، مات وهو شايل اسمي يبقى ابني قد ما هو ابنك.. افهم بقول إيه! هو أنا مش أب! وأقدر حس بالنار إللي آيده في صدرك؟!

– جحيم! أنا في الجحيم ذاته.. أنا في الجحيم ذاته!

– بس هو في الجنة دلوقت مع الأبرار والمُرسَلين.. مش يمكن ربنا أراد أنه يتشفع لك يوم الموقف العظيم .. ترفص ليه نعمه مشيعهالك ربنا؟!
اعقل يا عبد الموجود.. وأنا رقبتي ليك وفدا بيتك وعيالك .. وإني قد القول .

(فيلم المواطن مصري.. تأليف: يوسف القعيد – محسن زايد.. إخراج: صلاح أبوسيف)

تلك هي اللغة التي يُخاطَب بها كل صاحب ضمير حي معترض على ما يحدث في بر مصر من قبل أهله وأصدقائه، اترك حقك يضيع طوعاً بدلاً من أن تضيع أنت وأهلك معه، فنحن نعلم أننا نعيش في كارثة حكم عسكري سلطوي فاشي فاسد مفسد وفاشل، لكن ما باليد حيلة، لقد وقعت الواقعة، وانتخبه الشعب لأربع سنوات وربما لثمان، وهم أناس لهم يد باطشة، ولن تجدي شيئاً معارضتك تلك، بل ستضرك أنت وأهلك.. فما هي الفائدة التي ستعود على ابنك وأبيك وأمك وإخوتك عندما يتم القبض عليك والتنكيل بك في السجن.. ألم ترَ كيف فعلوا بآلاف المعتقلين في عامين؟

تعتبر المعارضة في ظل الوضع الحالي في مصر انتحاراً.. لكن بعد خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمس أصبح الانتحار بمعارضته هو أعلى درجات الشهادة!

نحن أمام رجل بدد كل شيء.. فبخطابه هذا كشف عن كل ما كان مستوراً في السلطة.

فهذا الخطاب رغم كونه خطاباً يدعو للسخرية مما ذكر فيه، إلا أنه الخطاب الأكثر رعباً له منذ أن كان وزيراً للدفاع، فهذا خطاب يفسد الذهن المجتمعي لغالبية المصريين الذين لا يمتلكون قدراً كافياً من الوعي الاجتماعي والثقافي ويعتمدون على الإعلام ومثل هذه الخطابات في تشكيل وعيهم.. فرغم خطورة اعتماد الدولة لغة تلك الخطابات في الحديث إلى الشعب على الوضع السياسي والاقتصادي على المدى القصير، إلى أن المصيبة الكبرى على المدى البعيد تعد تلك اللغة التي تستخدمها الدولة مع الشعب ستؤدي إلى الانهيار التام للسلم الاجتماعي والثقافي في مصر.. فهذا الخطاب محا تماماً أي مساحة موجودة بين الواقع والخيال.. بين الحقيقة والسراب.. بين العقل والإحساس.. بين نظرية المؤامرة وحقيقة المؤامرة.. فهذا الخطاب أثبت أن ما يقال في إعلام الدولة عن المؤامرات والأعداء المتربصين بنا لم تكن وسيلة لتخويف الناس لضمان التفافهم حول السلطة، بل هو فعلاً نابع من إيمان النظام بكل تلك الخرافات ويجعل منها النهج الرئيسي في طريقة إدارته للدولة.

هذا النظام لم يعد فقط خطراً على الوضع السياسي والاقتصادي في مصر، بل تجاوزت خطورته أبعاد غير مسبوقة على أي نظام سبقه، فهو الأن أصبح يراهن على بقائه بتجهيل الناس وهدم كل الثوابت والأساسيات في سبل التعامل وطرق الحوار بين الأنظمة وشعوبها.

لهذا لا يمكن تحمل أي سكوت عن خطايا هذا النظام.. فالصمت الآن هو مشاركة في الجريمة الكبرى وهي العملية الممنهجة لنزع العقول عن الأجساد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد