في لقائه مع قناة "سكاي نيوز عربية" إبان زيارته للإمارات في بدايات ديسمبر/كانون الأول الماضي، تحدّث عمر البشير عن عدة أمور تخص السودان كالمشاركة في حرب اليمن، العلاقات مع دور الجوار وغيرها. ما يهمنا اليوم هو حديثه في نهاية اللقاء عن التنمية الداخلية في البلاد.
طبعاً غاية الحوار كان تسويقاً لمواقف وأوضاع السودان للمشاهدين في الخارج لا للمواطنين السودانيين باعتبار أن حديث البشير كان مليئاً بالمغالطات التي يعلمها الصغير قبل الكبير في السودان.
كعادة كل المسئولين السودانيين عند حديثهم عن التنمية، قام البشير بالاستدلال بأرقام وإحصاءات للمقارنة بحال السودان عند انقلابه على السلطة في عام 1989 وحال السودان اليوم. طبعاً هذه المقارنة غير منطقية وليست مقبولة بأي حال من الأحوال وفيها استخفاف بالمواطن السوداني ومحاولة خداعه بإنجازات وهمية حققتها الحكومة خلال 26 عاماً في السلطة. فعالمنا اليوم لا يمكن بأي حال مقارنته بعالم 1989. وحال البشر قد تغير وحتى وضع الكوكب بيئيا ومناخيًّا ليس كمان كان قبل عقود من الزمان.
النقاط التي استدلّ بها البشير على التنمية التي تم تحقيقها كانت في إطار الطرق والجسور، الجامعات، والتعليم، الكهرباء، شبكات الاتصالات والتلفزيون والمطارات. و قبل الخوض في التفاصيل يجب الإشارة أن هذه الخدمات و توفرها في أي بلد في عالم اليوم يعتبر من الأساسيات التي فرضها واقع الحياة وتطور الإنسان وليست تنمية بحد ذاتها. فمثلاً لتحقيق التنمية يجب أن تكون أطراف ومناطق البلاد مرتبطة ببعضها بالطرق والجسور، وكذلك بوسائل الاتصالات المختلفة. أيضاً وجود الكهرباء واستدامتها صارت في اليوم من الأساسيات التي لا تستقيم الحياة بدونها. أما التعليم وتأهيل المواطن فهو الأساس لأي تطور. خلاصة القول إن كل ما ذكر ليس غاية التنمية بل أساسيات يجب توفرها للانطلاق في طريق التنمية.
يتحدث مسئولو حكومة الإنقاذ عن وجود 16 جسراً في مجرى النيلين الأزرق والأبيض أو نهر النيل مقارنة بـ7 جسور عن وصولهم للسلطة. الكل يعلم أن نهر النيل هو أحد شرايين الحياة في السودان.
ولكنه في نفس الوقت قد يكون معيقاً أساسيًّا في ترابط أطراف البلاد باعتباره يقسم المناطق المختلفة شرقاً وغرباً من مجاريه وبدون جسور يصبح السودان عبارة عن مناطق مفككة ومنفصلة. حتى يومنا الحالي ما زالت مناطق كثيرة تعتمد في التنقل بين ضفتي النهر على المعديات التي كانت هي إحدى تركات المستعمر فهل يعقل استخدام آليات نقل تجاوز عمرها الستين عاماً مع محدودية سعتها التي لا تتجاوز 3-4 مركبات وعشرات من الأشخاص! الحديث عن وجود 16 جسراً فقط في نهر يقطع آلاف الكيلومترات بطول البلاد يعبر من السخف ومن أسباب تأخر التنمية! يكفي أن نذكر فيلنوس عاصة ليتوانيا التي لا تتعدى مساحاتها 400 كم مربع وعدد سكانها 500،000 يمر بها نهر نيرس الذي يُغطى بـ5 جسور في مسافة 4 كم فقط رغم سوء الحالة الاقتصادية بالبلاد. أما الحديث عن إعادة إحياء السكك الحديدية فهو من المضحكات باعتبار أن القطارات كأن تربط مناطق السودان المختلفة عند وصول الإنقاذ للسلطة وبدلاً من تطوير ذلك القطاع تم تدميره بالكامل واليوم لا يوجد في البلاد أي قطار لنقل الركاب.
تحدث البشير عن أن إرسال تلفزيون السودان.. كان يغطي أمدرمان فقط في عام 1989 بينما اليوم يصل الإرسال لمعظم مناطق السودان التي كذلك تصلها شبكات الاتصالات المختلفة. نحن هنا لسنا بصدد تقييم جودة هذه الخدمات وتردي حالها، لكن نسأل السيد البشير.. هل من المعقول في عصر التكنولوجيا وثورة المعلومات أن لا تتوفر شبكات الاتصال للجميع؟ بدون ذلك السودان كان سيصبح منعزلاً أكثر مما هو عليه الآن ولصرنا نعيش في أحد العصور السحيقة.
أما عن ارتفاع عدد الجامعات من 5 إلى 50 بحسب البشير وارتفاع عدد الطلاب المقبولين في الجامعات سنويا من 5000 إلى 200،000 فنسأل سيادته كم كان تعداد السكان عند وصولك للسلطة؟ بالتأكيد مع ارتفاع عدد السكان، وكذلك ارتفاع المنافسة في كل العالم أصبح الحصول على شهادة جامعية من المتطلبات الأساسية وليس تميزاً كما كان قبل عقود مضت.
حديث الرئيس عن ارتفاع متوسط دخل المواطن من 300$ عام 1989 إلى 2500$ حالياً، ورغم تشكيك الأغلبية في صحة هذه الأرقام يطرح سؤالاً، هل اقتصاد اليوم وتكلفة المعيشة هي نفسها قبل 26 عاماً؟ في كل العالم ترتفع تكلفة المعيشة لجيل بعد آخر وتقابلها زيادة في مداخيل الفرد لمواجتها. إذا كان الرئيس يتحدث عن رخاء فنقول له إن السودان يشهد تضخماً اقتصاديًّا لم يسبق له مثيل وأن متوسط الدخل بغض النظر عن قيمته لا يغطي أبسط أساسيات حياة المواطن السوداني.
سيدي الرئيس، في سودان اليوم تصل نسبة الأمية إلى 30% في حين يسكن ثلث تعداد المواطنين في العاصمة لتركز كل أساسيات الحياة بها. سيدي الرئيس الجامعات الموجودة في مختلف مناطق السودان كما ذكرت تشكو من عدم توفر الأساتذة والمباني وحتى الكهرباء في كثير من الأحيان، والشباب الذي يتخرج فيها أول ما يبحث عنه هو فرصة عمل في العاصمة أو الهجرة خارج السودان. الشباب الذي يعتبر وقود التنمية في كل العالم يواجد بالملايين خارج السودان، وبحسب الأرقام الرسمية المعلنة من جهاز تنظيم شئون السودانيين العاملين بالخارج حيث زاد معدل هجرة الجامعيين بمقدار 650% بين عامي 2008 و2001، وعن هجرة 66000 فقط خلال النصف الأول من عام 2013. كذلك المواطن السوداني أصبح لزاماً عليه السفر للخرطوم للحصول على أي نوع من أنواع الرعاية الصحية والعلاج.
سيدي الرئيس التنمية تعني أن تتم مسائلتك عن شعار حكومتك في أيامها الأولى "نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع"! لماذا لم نرَ هذا الشعار على أرض الواقع والسودان يستورد أبسط مقومات الحياة من الخارج من مأكل وملبس مما جعل هذا الشعار يختفي من أعلامكم وأشعاركم التي كانت تتغني به ليلاً ونهاراً.
التنمية تعني أن لا يغيب تيار الكهرباء عن المواطنين ولو لسويعات، فما بالك بانقطاعه حتى عن مرافق أساسية كالمستشفيات. وأين هي كهرباء سد مروي التي وعدت عند افتتاحه بتوفرها لدرجة تصديرها لدول الجوار.
سيدي الرئيس، التنمية واقع يعاش وليست هراءً يقال على الشاشات، التنمية نتائج تظهر في حياة المواطن لا مجرد أرقام وإحصاءات تُرمى جزافاً لكسب سياسي وإعلامي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.