هكذا تصنع الدولة الإرهاب

عندما نذهب بالمقارنة لما هو أبعد من هذا.. ستجد أن أبناء المدانين بعمليات إرهابية في فرنسا على يقين تام بأن الدولة لم تتجنَّ على آبائهم، فهم وجدوا دولة تستقيل فيها وزيرة حفاظًا على حقوق آبائهم الإرهابيين.. فليس متوقعًا أن يتخيل هؤلاء الأبناء أن آبائهم قد وقع عليهم ظلم من الدولة، وبالتالي تتمكن من الأبناء غريزة الانتقام.

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/19 الساعة 00:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/19 الساعة 00:29 بتوقيت غرينتش

باريس – 28 يناير 2016 الساعة التاسعة صباحاً:

"من المفترض أننا في بلدٍ ينادي بالعدل والحقوق والحريات، وأنتم بهذا الأمر تمارسون نوعاً من أنواع العنصرية، ومهمتنا الأساسية هنا أن نعمل على ترسيخ قيم العدل والمساواة وليس تراجعها.. ولن أوافق على هذا القانون الذي يرسخ لممارسة العنصرية في بلادنا"..

هكذا قالت على الهواء "كرستينا توبيرا" قبل أن تتقدم باستقالتها على الهواء كوزيرة للعدل في فرنسا من داخل مبنى البرلمان، الذي كان يناقش تعديلات على قانون إسقاط الجنسية عن الفرنسيين المتورطين في قضايا إرهابية، من حملة الجنسية المزدوجة، التزامًا منها بحقوق الإنسان، عمومًا والمساواة بين الفرنسيين مهما كانت أصولهم وانتماءاتهم العرقية أو الثقافية أو الدينية.
قبل "أولاند" الاستقالة، وعين "جان جاك أورفاس" خلفًا لها بعد أن استقلت دراجتها الهوائية وغادرت الوزارة.

القاهرة – 28 يناير 2016 الساعة التاسعة مساءً:

"لن تنطفئ ناري، إلا بعد القصاص لكل شهداء الجيش والشرطة الذين سقطوا في عمليات إرهابية.. والجيش لن يدخر أي جهد في مواجهة الإرهابيين، ولن يكفينا في الشهداء أقل من 400 ألف ولن تنطفئ ناري إلا إذا قتل أمام كل شهيد 10 آلاف من الإخوان ومن يحبهم ومن يعاونهم ومن يسايرهم"..

هكذا قال على الهواء أيضاً تحت مرأى ومسمع من الجميع "أحمد الزند" وزير العدل المصري.

من الممكن أن أكتفي بعرض ما سبق فقط، دون الحاجة لتوضيح النتائج المترتبة عليه، لكن طالما أن هذه مساحة للرأي فسوف أسرد بعض التفصيلات الصغيرة في المقارنة الكبيرة:

البرلمان الفرنسي كان يناقش سحب جنسية من مواطنين لديهم جنسيتان وثبت تورطهم في عمليات إرهابية، ومع ذلك وزيرة العدل رفضت التمييز العنصري ضدهم.. ووزير العدل المصري يريد أن يقتل مئات الآلاف من المواطنين فقط بسبب انتماءاتهم السياسية والفكرية، انتقاماً منهم لأن هناك أناساً أخرين ربما غير مصريين نفذوا عمليات إرهابية.. المقارنة هنا ظالمة لوزيرة العدل الفرنسية التي لم تتخيل أن مثل هذا الانحطاط موجود على وجه الأرض والأكثر انحطاطاً من هذا أن يستطيع مسؤول يدير منظومة العدل أن يعتنق هذا الفكر المتطرف ويصرح به على الهواء.

عندما نذهب بالمقارنة لما هو أبعد من هذا.. ستجد أن أبناء المدانين بعمليات إرهابية في فرنسا على يقين تام بأن الدولة لم تتجنَّ على آبائهم، فهم وجدوا دولة تستقيل فيها وزيرة حفاظًا على حقوق آبائهم الإرهابيين.. فليس متوقعًا أن يتخيل هؤلاء الأبناء أن آبائهم قد وقع عليهم ظلم من الدولة، وبالتالي تتمكن من الأبناء غريزة الانتقام.. أما بالنسبة لهؤلاء في الحالة المصرية فعندمًا يرى الأبناء وزير الدولة يتحدث عن أمنيته في أن تحدث عملية قتل جماعي للمحبوسين في السجون أو لمن هم خارجها بسبب انتماءاتهم السياسية، فعليك أن تتخيل مدى يقينهم من أن آبائهم لم يرتكبوا جرمًا وإن ارتكبوا، وبالتالي سوف تجد معظم أبناء هؤلاء كارهين للدولة وستسيطر عليهم غريزة الانتقام، وبالتالي سيكونون فريسة سهلة لمصدري الفكر المتطرف ويصبحون بالتبعية إرهابيين محتملين ينتظرون اللحظة التي يثأرون فيها لآبائهم.

هكذا يولد الفكر الإرهابي وينتشر في المجتمع وتُصنع أجيال من الإرهابيين الجدد، ثم يتساءل المتخلفون الذين صنعوه بأيديهم:
من أين جاءوا هؤلاء الإرهابيون؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد