أكْثَرُ ما يجعلُ المرءَ عاجزاً هو عدم قدرتهِ على إيجادِ مسوغٍ أو مبررٍ لفعلٍ ما، أو جوابٍ يجعله متيقناً بأنه الأصحُ والأنجعُ لسؤالٍ ما، هذا ما يحدثُ مع أمةٍ تعيشُ الوهنَ في أحلكِ أجزئهِ، تتمايلُ بينَ سياسةِ الغربِ الساعيةِ بكل جهدها لسلبِ إرادتناِ وكل ما سيجعلُ منا أمةً تقودُ ولا تقاد وبينَ فتنةٍ داخليةٍ تنخرُ جسدها..
إنه العجزُ بعينهِ أن ترى أمامكَ أشلاء من الجثثِ المتراميةِ في شوارعِ حلب، وتعلمُ في قرارةِ نفسكَ أنك سوفَ تُسألُ ذاتَ يومٍ، وستلامُ، وستلتقي رسول الله صلى الله عليهِ وسلمَ وأصحابه، ولنْ تجدَ أدنى جوابٍ يجعلكَ متيقناً أو مرتاحَ البالِ والضمير..
أصبحَ ربما شيئاً مألوفاً أن ترى صورةً لمسلمٍ يُنْتَهَكُ عرضهُ، أو لمسلمةٍ في مكانٍ ما من هذا العالمِ القذر تسحلُ في الشارعِ، ويتكرر هذا الفعلُ فتقل ردةَ فعلنا يوماً بعدَ يومٍ إلى أن ينعدَم الشعورُ فينا ويصبحَ لاشعوراً بعينه، ولكننا سوفَ نسأل ذاتَ يومٍ.. ولن نمتلكَ حينها أدنى جوابٍ مقنعٍ..
نعم، أمامَ كل هذا نقفُ عاجزينَ حتى عن الدعاءِ لهم بصدقٍ، لأننا لا نعرفُ كيفَ سيكونُ الشعورُ يومها ونحنُ نقفُ أمامَ محكمةِ العدلِ ونُلامُ على كلمة حقٍّ لم نقلها أو دعاءٍ بظهر غيبٍ عندَ جنحِ الظلام لم يكنْ من نصيبهم، إنها لعنةُ الدنيا وفتنةٌ مقيتة حلتْ بأمةٍ كانَ لها هيبةٌ ووقارٌ، لا يُظلمُ فيها مسلمٌ بل يمشي مرفوعَ الرأسِ ممشوقَ القامةِ في كل بلادِ الله..
أعلم، تسأل عن السبب الذي جعلنا نعيشُ كل هذا؟.. سأقولها لكَ بصريحِ العبارةِ صديقي، إنه الملكُ الجبري الذي جعلنا أذلةً، فقد تذكروا عدلَ الفاروقِ عمرَ وكيفَ كان لا يُظلم عنده شخصٌ، تذكروا كيفَ لامرأةٍ صرختْ وامعتصماه فنُقل إليه ذلك الحديث، وفي يده قَدَح يريد أن يشرب ما فيه، فوضعه، ونادى بالاستعداد للحرب، أما اليومَ فلا تتحرك شعرةٌ من رأس حكامنا إلا بعدَ سماعهم سقوطَ مؤشرِ وول ستريتِ أو أسعار براميل النفط، سببُ ذلنا هو أننا رضينا أن يحكمنا ملوكٌ ورؤساء فسدة، لا يعرفونَ اللهَ إلا أيامَ العيدِ والجمعة، يعقدونَ قممهم العربيةَ في كل تدخلٍ عسكري غربي في بلادِ المسلمين، فيخرجونَ ببياناتِ تنديدٍ واستنكار.
وأول مفتاحٍ للانعتاقِ من هذا القيدِ، هو التحررُ من سلطةِ الحكمِ الجبري، هو أن يتذكرَ كل واحدٍ منا أنه ذاتَ يومٍ سيقفُ بينَ يديِ الله يُسأل عن كل قطرةِ دمٍ أريقتْ بدونِ وجهِ حقٍ، عن كل امرأةٍ مسلمةٍ نادتْ في المسلمينَ حكامها وشعوبها، نعمْ صديقي، سوفَ نسأل جميعاً، لا مفرَ من ذلكَ قطعاً..
نعم، الحل.. الحلُ هو أن تعملَ لذلكَ اليومِ بكل ما تملكُ من جهدٍ وقوةٍ، أن تحررَ نفسكَ من سطوةِ الدنيا، وتبحثَ عن الحقِّ في أرجاءِ الأرضِ، وتنصرَ دينكَ بنصرةِ إخوانكَ المستضعفينَ بقلمكَ، بحنجرتكِ بمالكِ وأهلكَ، أن تحررَ وطنكَ من حكامِ الجبرِ الذينَ يكدسونَ الأموالَ في البنوكِ بينما شعوبهم تعيشُ الهوانَ..
هذه مسؤوليتنا جميعاً، فأعدوا لذلكَ اليومِ بعملكم.. فحتماً سوفَ نسأل عنهم.. اللهم اشهد، اللهم إني قد بلغت.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.