خلال العام الماضي 2015 لم يفتح معبر رفح إلا 20 يوماً على فترات متباعدة أدناها كل شهرين. والنتيجة أن آمال وأحلام تتوقف عند تلك البوابة اللعينة التي سودت حياة الناس وحولتها إلى جحيم لا يطاق.
لقد أصبح فتح المعبر في هذا الزمن الأغبر خبراً عاجلاً تتسابق وكالات الأنباء على نشره، ينتظره الفلسطينيون المغلوب على أمرهم، كما ينتظر الواحد منهم وليداً بعد عطش، فهذا طالب مستقبله على المحك، وهذا مريض حياته في خطر، وتلك عروس باعد الإغلاق بينها وبين عريسها، وهذه أم لم تجتمع مع عائلاتها تحت سقف واحد منذ شهور مضت، لا أتحدث هنا عن السفر كحق إنساني للجميع دون قيود، أتوقف فقط عند حالات إنسانية لا ذنب لها سوى أنها من غزة الفلسطينية، فهل بعد هذا التضامن من تضامن؟!
وإن في أيام فتحه الاستثنائية عذابات بعضها فوق بعض، يصبح الفلسطيني المعذب تحت رحمة "الحواسيب" آملاً ألا تتعطل كما حدث في مرات كثيرة، يبقى أسيراً لساعات طويلة في الحافلات وصالات الانتظار، إلى أن يسمح له بالسفر بشكل عادي أو مرحلاً في ظروف مهينة غير آدمية، يكابد المسافر الفلسطيني العناء والعذاب، في الوقت الذي يدخل السياح الإسرائيليون أرض مصر آمنين دون تأشيرات وتحت حراسات مصرية مشددة.
تتجول بين طوابير من المعاناة تنتظر إشارة المرور عبر البوابة السوداء كما يسميها الفلسطينيون، ألسنة تلهج بالدعاء، تشكو إلى الله ظلم الظالمين والمحاصرين، لسان حالهم يقول: إذا كان السفر قطعة من العذاب فإن معبر رفح هو العذاب نفسه، لقد بات الفلسطينيون يحمدون الله بكرةً وعشياً بأن أرواح أمواتهم لا تصعد إلى السماء عبر هذا المعبر الذي لا يرحم صغيراً ولا يوقر كبيراً.
يعلم الفلسطينيون والعالمون بالسياسة أن المعبر هو أحد أهم أدوات الحصار المطبق على رقاب الغزيين منذ تسعة أعوام، أداة قذرة أشهرها مبارك في وجه حماس لإخضاعها للشروط الغربية، ثم جاء السيسي سائرا على ذات الدرب دون أن يعي درس التاريخ كما هو حال الطغاة.
بين مبارك والسيسي، يتذكر أهل غزة كيف كانت أيام الرئيس مرسي برداً وسلاماً عليهم؟ لقد مرّ على المعبر في عام حكمه أياماً لا يجد فيها مسافراً واحداً، جاء السيسي ورد حال المعبر إلى أسفل سافلين، فنال بهذا الفعل المدح والثناء الإسرائيلي حتى قالوا إنه هدية المصريين إلى اليهود، متفوقاً بذلك على المخلوع مبارك الذي عدوه في ذلك الوقت كنزاً إستراتيجياً.
ولا غرابة، أن الاحتلال الذي يثني على دور مصر السيسي في حصار الفلسطينيين وإغلاق معبر رفح، يقوم في المقابل بفتح "معبر إيرز" شمال قطاع غزة والسماح بسفر الفلسطينيين في محاولة يائسة لتجميل وجهه القبيح أمام العالم، وفق الإحصائيات فإن الذين سافروا من خلال المعبر الإسرائيلي في أيام معدودات يفوق عدد الذين سافروا على المعبر المصري في فترات فتحه منذ عامين.
السيسي كان تحجج أن إغلاق المعبر بسبب الوضع الأمني المتدهور في سيناء، ثم عاد وطالب بعودة سلطة محمود عباس إلى إدارته كشرط مسبق لفتحه، ما يؤكد أن القضية سياسية بامتياز وخصومة أيدلوجية لا مبرر لها، يتورط فيها حكام رام الله ويدفع ثمنها الفلسطينيون الذين يطالبون بفتحه كحق إنساني وواجب عروبي وتجسيدا عمليا لليوم العالمي للتضامن مع قضيتهم العادلة، لا أن يكون في إغلاقه عونًا للمحتلين عليهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.