القسم الأول من عنوان المقال هو فيلم هوليودي أنتج عام 2014 مبني على رواية بنفس الاسم للكاتب الأميركي "جيمس داشنر" رواية تستحضر الخيال العلمي وتم تُرجمتها إلى خمس لغات، العربية ليست من ضمنها للأسف..
يبدأ الفيلم بشاب يستيقظ مضطرباً كما لو كان فقد ذاكرته للتو ليجد نفسه داخل مصعد يتحرك لأعلى بلا توقف مما يزيد اضطراب وخوف الشاب. يقف المصعد فجأة ويفتح من الأعلى حتى يجد الشاب نفسه في مكان غريب وسط مجموعة من الشباب بين الضاحكين والساخرين وبين المهللين لقدوم الوافد الجديد، ثم يساعدون الشاب ويرحبون به مطمئنين إياه أن حالة اضطرابه هذه سوف تنتهي خلال يوم أو اثنين إلى أن يتذكر اسمه.
لكنه لن يستطيع تذكر أي شيء آخر إلا هذا، وما حدث له حدث لهم جميعا، ويستمر المصعد يحمل كل شهر شخص جديد.
يتأمل الشاب المكان الذي ألقاه فيه القدر ليجد أنه عبارة عن غابة صغيرة محاطة بسور عالٍ من كل الاتجاهات، وهذه الأسوار ما هي إلا أبواب متاهة هائلة بها مئات الممرات والطرق، ويتغير تشكيلها يومياً مما يجعل الخروج من المتاهة أمراً مستحيلاً.
يجد الشاب أن ثمة مجتمع صغير داخل المكان، فهناك من يشتغل بالطبخ والزراعة وحتى الطب وهناك قوانين تحكمهم وضعها من وصل أولاً لهذا المكان والذي يعتبر زعيمهم، ويوجد أيضاً قلة قليلة منهم تخرج يومياً إلى أبواب المتاهة التي كانت تفتح في الصباح وتغلق في المساء ليكتشفوا طريقة للخروج لذا أطلق عليهم "عدائي المتاهة".
ينضم الشاب إلى هذه المجموعة ثم يبدأوا بجولاتهم الصباحية ودراسة خريطة دقيقة رسموها لهذه المتاهة حتى استطاعوا بطريقة ما أن يكتشفوا طريقة للخروج وما إن أعلنوا الخبر لبقية الناس حتى فتحت أبواب المتاهة في غير ميعادها وخرجت منها حشرات ضخمة أشبه بالعناكب حتي قتلت وجرحت الكثيرين.
أخد الشاب يحفز البقية ليتبعوه إلى ممر الخروج الذي اكتشفته مجموعته، ليتحرروا من هذا الجحيم ولكنه فوجئ بمجموعة من الناس ترفض اقتراحه بل وتتهمه بأنه السبب وراء هجوم الحشرات، معللين ذلك أن المتاهة أحست بدنو خلاصها منهم فأرادت الدفاع عن نفسها حتي لا يتركوها.
لم يصدق الشاب هذا الهراء الذي يسمعه ولكن أصر على استكمال طريقه ومن يأتي معه فليأتِ ومن يفضل البقاء فليبقَ.. وبالفعل دخل الشاب المتاهة ومعه مجموعة ممن يريدون الخلاص مثله حتى تمكنوا من الوصول للمَخرج ثم فوجئوا أنهم في مختبر علمي ضخم به عشرات الجثث الملقاة على الأرض ثم وجدوا رسالة من رئيسة المختبر تهنئهم فيها بنجاحهم في الاختبار الذي وضعوه له بعد أن اجتاح البشرية فيروس يبصيب الدماغ وتسبب في قتل أعداداً كبيرة، وأنهم كانوا مضطرين لإيجاد العلاج.
وتختم رسالتها قائلة: (منظمة ويكيد خيرة) ثم تخرج المسدس وتقتل نفسها، بعد ذلك تفتح أبواب المختبر وتأتي هيليوكوبتر لتنقل هؤلاء الناجين إلى مكان آمن، وما أن نرى سعادة الانتصار في أعينهم حتى نرى على الجانب الآخر رئيسة المختبر وزملاءها يعلنون بدء المرحلة الثانية من الاختبار بعد أن نجحوا في خداع الشاب ورفاقه وأقنعوهم أنهم قتلوا وأن الاختبار انتهى.
***
ما أن انتهى الفيلم حتى تأكدت من ذلك الهاجس الذي ظل يطاردني أثناء المشاهدة.. هذا الشاب يمثلني، بل إن هذا الشاب ورفاقه يمثل جيلي بالكامل، مؤلف هذا الفيلم لو كان يقصد عن عمد أن يقدم نموذجاً خيالياً لما فعلوه بنا وبثورتنا لما كانت ستصدق حبكة الفيلم هكذا.
نفس المصعد الذي يلقيك للمجهول ونفس الوجوه الضاحكة المستبشرة بقدوم وافد جديد تذكرني بنفس الخطأ الذي فعله فينا آباؤنا عندما قرروا إلقاءنا في بلد مثل هذا، كنت دائما أتعجب من الاحتفالات التي يقيمها المصريون لأي مولود جديد فيما يُعرف بـ"السُّبُوع".. علام تحتفلون بالضبط؟
نفس منطق ساكني المتاهة الفرحين بقدوم وافد جديد، إننا لسنا بمفردنا من نعاني، هناك من سيشاركنا هذا الشقاء.
نفس الاستسلام للأمر الواقع وبالبدء بالزراعة والطبخ وصياغة القوانين بدلا من إيجاد حل للخروج من السجن أولا، حتى عندما اجتهد الشاب ورفاقه ووجدوا الحل الذي سيخلصهم من الأسر ويعيطيهم حريتهم تهكموا عليه في البداية وما لبثوا أن عارضوه معارضة شديدة أيضا.
نفس ملازمة ستوكهولم تجدها هنا أيضاً، فالذين هاجموا الفتي ورفاقه واعتبروه السبب في هجوم الحشرات عليهم، وأن المتاهة من حقها أن تمنعنا من الرحيل عنها، لا يختلفون كثيرا عن من شرعوا بالبكاء تحسراً على قسوتنا على الرجل الكبير الذي في سن آبائنا.. كيف تحجرت قلوبكم هكذا وتطالبونه بالتنحي؟
حتي وإن قتلكم بالرصاص في التحرير ومن التعذيب في المعتقلات ومن الفقر والفساد، أليس من حقه أن يدافع عن نفسه يا قساة القلوب؟
وعندما تجاهلنا هراءهم هذا وأكملنا ثورتنا، أطل علينا بخطاب عاطفي على أنه لم يفعل سوى مصلحتنا.. و"أني لست بهذا السوء ولن أترشح لفترة رئاسية أخرى حتى أترك لكم الحكم تفعلوا به ما شئتم."
لم يختلف هذا الخطاب كثيرا مع تلك الرسالة التي بثتها الطبيبة في آخر الفيلم عن أنها كانت تحمي هؤلاء الشباب ولم أقصد تعريضكم لكل تلك المعاناة حتى أني سأنتحر كي أريحكم مني وهي في الخفاء تجهزهم لمرحلة جديدة من الشقاء مثل موقعة الجمل التي وقعت ثاني يوم إلقاء خطاب مبارك العاطفي.
حتى سعادة الانتصار التي أحسها أبطال الفيلم بعد الخروج من المتاهة هي نفسها التي كانت تغمرنا بعد خطاب التنحي.. نفس الاعتقاد الساذج بأن الكابوس انتهى، ونحن لا نعلم أن مئات من كوابيس أخرى تستعد لزيارتنا.
كنت أظن أن هذه التشابهات تسارعت إلى ذهني بمناسبة ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير التي التي مرت منذ أيام ولكن ما أن شاهدت الجزء الثاني من الفيلم حتى تيقنت من شكوكي.
يبدأ الجزء الثاني بالشاب ورفاقه وقد تم نقلهم إلى مكان آخر آدمي بالتأكيد أكثر من مكانهم السابق، فيه عدد كبير من الشباب والفتيات الذين استطاعوا أن ينجوا من متاهات أخرى.. وبدأ القائمون على هذا المكان في التودد للشباب وإجراء لهم العديد من الفحوص الطبية مقنعين إياهم أنها للاطمئنان عليهم حتى شك الشاب ومعه أحد الناجين من متاهة أخرى فيما يحدث في الخفاء فقرروا التسلل إلى أماكن الفحوصات حتى شاهدوا بأعينهم رسالة من رئيسة المختبر (هذه الذين ظنوا أنها انتحرت) إلى رئيس المختبر الحالي الذي من المفتروض أنه أنقذهم وهم يتفقون على كيفية الخلاص من هؤلاء الشباب بعد أن ينتهوا من تجاربهم حتى يتفرغوا بعد ذلك لمحاربة المتمردين.
بالطبع أبلغ الشاب رفاقه واستعدوا للهروب، وتمكنوا بالفعل من ذلك بعد مطاردة عنيفة من رئيس المختبر.. وما أن خرجوا للمدينة حتى فوجئوا بكم الدمار والخراب الذي حل بالعالم حتى أنهم قابلوا عددا من المصابين بذلك المرض الخطير الذي تحدثت عنه رئيسة المختبر، وقد تحول المصابين به إلى وحوش آدمية بالمعنى الحرفي للكلمة.. حتى أن زميل لهم في رحلة الهروب قرر الانتحار عندما أصابته العدوى حتى لا يتحول لمثل هؤلاء المسوخ.
قرر الشباب أن يبحثوا عن هؤلاء المتمردين الذين جاء ذكرهم في رسالة الطبيبة لرئيس المختبر وبالفعل تمكنوا من الوصول إليهم بعد رحلة شاقة مليئة بالعنف والدم، وما إن وصلوا إليهم حتى فوجئوا بقوات هذه المنظمة "ويكيد" وهي تبدأ بالهجوم العنيف على مكان المتمردين وكان هذا بسبب وشاية قامت بها إحدى صديقات الفتى التي هربت معه وكانت تدعمه من البداية، انتظرت حتى نجحوا في الوصول إلى مخبأ المتمردين وقامت بإبلاغ المنظمة بالمكان حتى تضمن الآمان لنفسها، مع العلم أنها نفس الفتاة التي دفعت الشباب للهروب من المختبر في بداية الفيلم خوفا عليها بعد أن ظنوا أنها ستقع ضحية اختباراتهم الطبية هذه.
لا يوجد شك إذن في التشابهات التي كنت أظنها.. فالكاتب جسد حرفيًّا المجلس العسكري الذي اعتقدنا أنه ساعدنا في الخلاص من مبارك ورفع التحية العسكرية للشهداء ثم بدأ في قتلنا بعدها بأشهر ما إن نزلنا مظاهرات أخرى.. ثم كل الرحلة القاسية من المظاهرات والوقفات الاحتجاجية والإضرابات والاستحقاقات الانتخابية حتى استطعنا أن نظفر برئيس مدني اخترناه بأنفسنا ولم يفرضه علينا أحد، حتى تآمر علينا من وقفوا معنا يوما في ميدان الثورة ودافعنا عنهم ضد حملات التشويه الذين تعرضوا لها، حتى سلمونا بأيديهم لنفس من كنا نهرب منهم ونطالبهم بالتنحى والرجوع لثكناتهم وتركنا وشأننا.
كنت أتمنى أن أتابع الجزء الثالث حتى أعرف إلى أين ستنتهي هذه التشبيهات والإسقاطات، ولكن للأسف الشركة المنتجة للفيلم خذلتني وأعلنت أنه لن يعرض إلا في عام 2017.. إذن لا يوجد أمامي إلا أن أدعو ألا تخذلني الثورة هي الاخرى وتجعلني أرتقب عاما آخر حتى أعرف آخر فصول هذه القصة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.