ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "قنبلة" في قلب الساحة الدولية عندما أثار قضية "الدواعش" القوقازيين الموجودين فى سوريا ومدى خطورتهم على الأمن الروسي معلنا ما اعتبره حربا جديدة على الإرهاب على الأراضي السورية.
القنبلة تلقفتها أيدي الباحثين والخبراء لتفكيكها ومحاولة فهم أبعادها. ولكن السؤال الذي تجدر إثارته هنا هو: هل خطر الأمن الذي تخشاه موسكو هو تنظيم "داعش" في مجمله، أم أنه محصور في القوقازيين الموجودين في سوريا؟ من هنا، تأتي أهمية السعي إلى فهم مدى خطورة العناصر القوقازية المنضوية تحت لواء "داعش" في سوريا والعراق على الأمن الروسي. وهذا المقال هو الجزء الأول من دراسة منشورة للباحث في مجلة السياسة الدولية عدد يناير 2016 والتي تصدرها مؤسسة الأهرام المصرية.
أولا: روسيا في فكر القاعدة وداعش
1-القاعدة
تعد القاعدة هي الابن الشرعي الأكبر لتداعيات الاحتلال السوفيتي لأفغانستان عام 1979 وبداية مرحلة جديدة في فكر الجماعات "الجهادية" المسلحة ألا وهي عولمة المواجهة التي أصبحت القاعدة محركها ورمزا لها.
هذا العداء المتأصل للقاعدة تجاه الاتحاد السوفيتي امتد إلى وريثته روسيا بعد مطالبة الجمهوريات الإسلامية في القوقاز وعلى رأسها الشيشان في الانفصال كغيرها من سائر جمهوريات آسيا الوسطى التي انفصلت عقب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990م فقد اندفع المقاتلون العرب المنتشون بانكسار السوفييت في أفغانستان إلى دعم الشيشانيين في حروبهم المتوالية ضد روسيا لاستكمال الصراع سواء داخل الأراضي الشيشانية أو من خلال شن هجمات داخل جمهوريات القوقاز المجاورة وفي الداخل الروسي وهي الهجمات التي حظيت بترحيب شديد من قيادات القاعدة بغض النظر عن عدم موالاة بعض منفذيها لها.
وقد وفرت القاعدة بالتوافق مع حركة طالبان في الساحة الأفغانية مجال تدريب واسعا للمقاتلين القوقاز تمهيدا لعودتهم لبلدانهم لاستكمال القتال، وبعد نحو 12 سنة كان التيار المؤيد للقاعدة في المقاومة القوقازية هو الأكثر محافظة على تواجده في ميدان المواجهة وتكلل ذلك بتأسيس إمارة القوقاز الإسلامية عام 2007 ومنذ ذلك الحين باتت هجمات الإمارة سواء داخل روسيا أو على مصالح حكومات جمهوريات القوقاز الموالية لها تأخذ شكل مقاومة احتلال ولكنها تعرف خلفيتها عن أحلام قيادات القاعدة بالانتصار على روسيا.
2-داعش
لم تكن فكرة العداء لروسيا واضحة المعالم لدى تنظيم داعش منذ ظهوره أبريل/نيسان 2013م فعلى الرغم من أن دعم موسكو العسكري والسياسي لبشار الأسد هو السبب الرئيسي في عدم سقوطه، فلم تتعرض روسيا أو مصالحها في الخارج لأي هجمة من قبل التنظيم لأكثر من عامين، بل من المثير لعلامات الاستفهام عدم تحرك داعش لاستهداف العديد من الأهداف الرخوة التابعة لروسيا داخل وخارج أراضيها وفي مقدمتها منطقة القوقاز.
ثانيا: واقع داعش في شمال القوقاز
1-الوضع الميداني لـ"إمارة القوقاز":
لا يمكن ونحن نرصد واقع تنظيم داعش في القوقاز أن نغفل ذكر تنظيم "إمارة القوقاز" الطرف الأقوى في العمل المسلح هناك وإحدى أذرع القاعدة وحركة طالبان.
تشكل إمارة القوقاز العنصر القتالي شبه الوحيد في القوقاز ضد موسكو والحكومات الموالية لها، وقد تلقت الإمارة العديد من الضربات الأمنية القوية خلال السنوات القليلة الماضية، بلغت ذروتها بتوالي مقتل ثلاثة من أمرائها بخلاف قيادييها البارزين خلال أقل من عام ونصف كما تراجعت عمليات التنظيم بشدة فآخر هجوم كبير شنه التنظيم كان في ديسمبر/كانون الأول 2014.
هذا الوضع الصعب دفع قيادة التنظيم للحد من توجه عناصره نحو سوريا بل ومحاولة منع غيرهم من التوجه إليها إلا في حالات خاصة جدا فقد أصدرت اللجنة الشرعية لولاية داغستان التابعة لإمارة القوقاز عدة فتاوى بهذا الشأن تحت إشراف الشيخ أبي محمد الداغستاني القاضي الشرعي للإمارة ونشرت على الموقع الرسمى لها بتاريخ 20 يناير/كانون الثاني 2014 منها: ردا على سؤال أحد الراغبين في الجهاد في سوريا "أنك ما دمت من أهل القوقاز فإن الجهاد فرض عين عليك في القوقاز .. الجهاد في القوقاز بحاجة إلى كل فرد.. ولا يصح شرعاً ولا عقلاً أن يترك أهل كل بلد الجهاد في بلدهم ويذهبوا للجهاد في بلاد أخرى بعيدة، إلا إذا كان في ذلك مصلحة للجهاد في بلادهم، كأخذ خبرة يحتاجها الجهاد في بلادهم والتدرب على بعض الأسلحة ونحو ذلك، كما يفعل بعض إخواننا من أهل القوقاز في الشام كما بلغنا".
2-أهمية القوقاز بالنسبة إلى داعش:
الفكر التكفيري الذي يتبناه تنظيم داعش ودعوات خلافته المزعومة يجعله دائما يبحث عن بؤر الصراع، وكلما كان الصراع أطول أمدًا وأكثر عنفًا، زادت محاولات التنظيم لأن يجد له أتباعا فى هذه المنطقة، ومن هنا تأتي أهمية منطقة شمال القوقاز بالنسبة له، فالوضع في الإقليم يمثل بيئة مثالية لتمدده، فقد خاضت الشيشان ذات الأغلبية المسلمة حربا ضروس ضد موسكو لأكثر من عشر سنوات في إطار مساعيها للحصول على استقلالها عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وقد أصبحت هذه الحرب أحد مرتكزات الهوية والذاكرة الجمعية للشعب الشيشاني، وباتت ملهمة للجيل الجديد من أبنائه الذي يبحث عن أي دعم خارجى يساعده على خوض حرب استنزاف جديدة.
من جهة أخرى فإن الشيشان لها مكانة خاصة ممزوجة بالشجون في نفوس الشعوب العربية والإسلامية، لا سيما مع بروز مقاتلين عرب من أمثال "خطاب" تحركوا لدعم الشعب الشيشاني، ومن ثم فإن نجاح تنظيم داعش في تحقيق تواجد له في القوقاز سيضمن له هالة تسهم بصورة كبيرة في إنجاح مشروعه الدعائي بعالمية خلافته، كما تمتلك منطقة القوقاز مخزونا إستراتيجيا من الشباب الغاضب الذي يمكن للتنظيم استقطابه للقتال تحت رايته في سوريا والعراق.
3-الوضع التنظيمي لـ"داعش" في القوقاز:
تتشكل العناصر الموالية لتنظيم داعش من فئتين رئيسيتين: الفئة الأولى تمتاز بخبرتها القتالية وإن كانت محدودة وانضباطها التنظيمي وهم أتباع إمارة القوقاز الإسلامية الذين انفصلوا عن الإمارة وأعلنوا مبايعتهم للبغدادي، ظانين أن خلافته هي الحق وأنها الحلم المنشود، مدفوعين بجهلهم وقلة علمهم كما يذكر أمير إمارة القوقاز علي أبو محمد الداغستاني في تسجيله المصور "رسالة إلى المسلمين" ومن أبرز رموز هذه الفئة رُسْتامْ أسِيلْدِيرُوفْ (أبو محمد) أمير ولاية داغستان السابق والذي أقيل من منصبه في 10 ديسمبر/كانون الأول 2014 بعد بيعته للبغدادي وإعلانه تشكيل ولاية داغستان التابعة لداعش تحت اسم "ولاية داغستان التابعة للدولة الإسلامية" لكن السلطات الداغستانية تمكنت من القبض عليه هو ومساعده غاسان أبدولايف الملقب بأبي ياسر و17 آخرين في أكتوبر 2015 حيث فتحت أجهزة التحقيق قضية جنائية بهذا الشأن.
أما الفئة الثانية والأخيرة فهي تتكون من الشباب القوقازي غير المؤدلج، والذي يتم استقطابه من قبل عناصر الفئة الأولى أو عبر وسائل التنظيم الدعائية المختلفة، وآخرها "تطبيق فرات" الذي أصدره التنظيم باللغة الروسية.
في ضوء محدودية عدد السكان في الشيشان وداغستان (نحو مليون نسمة في كل منهما)، ومع اشتداد القبضة الأمنية الروسية واجهت إمارة القوقاز رغم باعها الطويل أزمة نقص مقاتلين، كما أن إعلان يفجيني سيسويف نائب مدير هيئة الأمن الفدرالية الروسية في 10 نوفمبر الماضي، تمكن قوات الأمن في شمال القوقاز من القضاء على 7 مجموعات من المسلحين الذين بايعوا تنظيم "داعش" خلال العام الجاري. فإن المتوقع أن عدد أتباع داعش الموجودين حاليا في أراضي القوقاز لا يمكن أن يزيد عددهم عن العشرات، لا سيما مع خروج العديد من أتباعها إلى سوريا للقتال في صفوفها هناك.
4-مستوى عمليات داعش:
في الوقت الذي كانت فيه قيادة التنظيم الأم بأمس حاجة إلى هجوم مؤثر من أتباعها في القوقاز على أي قوات أمنية أو مصالح حكومية عقب بدء الهجمات العسكرية الروسية على مواقعه في سوريا، فإننا نجد عجزًا من عناصر التنظيم عن شن مثل هذا الهجوم المؤثر، وهو ما يمكن أن نلاحظه من توالي إحباط عملياته قبل تنفيذها ففي الثالث من نوفمبر الماضي تم إفشال مخطط كبير من قبل 20 من عناصر التنظيم لاغتيال الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف، كما أعلن المتحدث باسم الأمن في أنغوشيا في 4 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عن إحباط عدد من الهجمات لمقاتلي داعش بعد العثور على عبوات وبراميل متفجرة يبلغ إجمالها حوالي 3,5 طن من مادة تي إن تي، كما اكتشف في وقت سابق مختبر لتصنيع العبوات الناسفة، كما تمكنت قوات الأمن الروسية في 10 نوفمبر الماضي من تصفية القيادي المسلح "روبرت زانكيشييف" الذي بايع تنظيم "داعش" أخيرا، وذلك في نالتشيك عاصمة جمهورية قبردين بلقار جنوبي روسيا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.