تُلوّح عدد من الأنظمة الغربية في عدد من المحافل الدولية، بخطورة تنظيم "الدولة الإسلامية" وتصوّره على أنه "وحش" يجب محاربته ودفعه لأنه خطر على الوجود بأسره، أما الطريقة الوحيدة لمواجهة التنظيم وخطر تمدده بحسب هذه الأنظمة، فهي التحالفات العسكرية التي تقودها هذه الدول الغربية في العالم العربي بالإضافة لتفاوض الشعوب المضطهدة مع الأنظمة الاستبدادية القمعية.
وتحاول هذه الدول عبر عدد من المحافل الدولية أن تروّج وتجمّل صورة التدخل الغربي في العراق وسورية، لتصوّر للعالم وخاصة للعرب أن المنطقة العربية أمام خيارين لا ثالث لهما.. إما القبول بالاحتلال العسكري الغربي للمنطقة العربية أو إطلاق "وحش" تنظيم "الدولة الإسلامية" على هذه المنطقة.
وترويج هذه الدول الغربية لتنظيم "الدولة" على أساس أنه فزاعة ووحش داخلي يهدد أمن واستقرار وأرواح العالم وبخاصة المنطقة العربية، مما يُسهل لهذه الدول تسويق مشروعها الاحتلالي للمنطقة أو حتى الإبقاء على الأنظمة الاستبدادية القمعية ومشروعها الرجعي الدموي الذي يخدم في الأساس الغرب.
ولا يخفى على متابع للشأن السوري بشكل خاص، تصريحات بعض القيادات والنخب التي تدعي أن منظومة القمع العربية التي واجهت الربيع العربي بالسلاح والرصاص والدماء أفضل من "الوحش الداعشي".
وبمعادلة بسيطة جدا نجد أن التصور الغربي الرسمي للمنطقة العربية ما بعد الربيع العربي لا يريد التكيّف مع الواقع الجديد والتعامل مع الشباب العربي الجديد الرافض للهيمنة الغربية والوصاية الأجنبية على مصائر الشعوب ومستقبل الشباب.
والسؤال هنا، أيهما أقوى.. إرادة الثوار أم هيمنة الغرب ومنظوماته الرجعية؟! والسؤال الأكبر، ماذا يجب أن نفعل؟
ولنتفق أولًا أن تنظيم "الدولة الإسلامية" وكل التنظيمات التي تُحسب على قائمة التطرف في الميزان الإسلامي لا في الغربي، خرجت من رحم منظومة القمع العربية. وأن الشباب المنتمي لهذه التنظيمات رأى كل ما لا يتوقعه أعتى مجرم من قمع وقتل وتعذيب وسلخ وجلد وشبح (وإلخ..) على يد هذه الأنظمة وداخل سجونها بيد أبناء جلدته، والمعادلة معروفة؛ الظلم يولّد التطرف!
إذا بالمنطق البسيط جدًّا، كيف للشعوب العربية أن تقبل التفاوض مع الأنظمة التي قمعتها وقتلتها وشردتها وصنعت الفزاعة التي تهدد الشعوب اليوم؟!! كيف لهذه الشعوب أن تقبل بأن تجلس لتحارب "داعش" مع من صنع "تطرف" "داعش"؟!
وبعد هذه الاستنتاجات المعروفة لنا جميعا، الأنظمة العربية القمعية لا تقل خطورة عن "داعش" بالنسبة للشعوب وبالنسبة للغرب أيضا.
لذلك على الغرب أن يفهم هذه المعادلات البسيطة وأن يتقبلها، وألّا يساهم في صنع أنظمة ومنظومات قمعية إذا أراد أن يجلس بأمان دون تهديد أو وعيد، وعلى القادة الغربيين ألّا يسارعوا لمباركة الانقلابات العسكرية أو التدخلات الأجنبية في الشرق الأوسط.
الحل في صراع الأفكار لا يكون بإطلاق النار، فالأفكار لا تحارب إلا بالأفكار..
ولا يمكن القضاء على التطرف بكل أشكاله وأنواعه ومسمياته وألوانه في المشرق على الأقل إلا ببناء مجتمعات معتدلة وإزالة المرض قبل العرض، ولا يمكن القضاء على "داعش" وأخواتها ومن يدور في فلكها إلا بإزالة الأنظمة القمعية العربية الاستبدادية ثم ببناء مجتمعات إسلامية شورية تتعامل مع العدل والحرية والشورى كقيم عليا لا تقبل التفاوض.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.