يقال إن أسوأ ما في الديمقراطية هي أنها تجعلك تنصت للأغبياء.. وبدوري أقول إنه أخطر من ذلك، فقد تبقيك تحت رحمة مرضى بالسلطة وعشاق الكراسي من دون عطاء الكريم، أو حسنات المحسنين، بالرغم من أنها ليست هبات بل أحق الحقوق رغما عن أنف هؤلاء الذين أبوا العودة لصوابهم وانشغلوا بمحاربة بعضهم بعضا فقط، فالموقف المفضي بك إلى المجهول والذي لا تحسد عليه هو انتظارك بأن يتعرف عليك أحدهم أو يصلك بإحساس شفقة منه كي يشاطرك همومك ومعاناتك التي بلغت منك آخر درجات التحمل والصمود،آخر درجات العيش احتضارا وأنينا جراء أبسط ما تستحقه كإنسان.
هذا حال من يسكن ويستكين لجراحه بمرتفعات "الأطلس" في هذا الوطن، والمرتجف صقيعا في سفوح هذا الوطن أو ذلك التلميذ الذي لا يدرس أو قد يدرس بنصف مقعد ونصف سقف في بوادي هذا الوطن، أو حتى تلك المرأة الحامل التي تنقل على حمير رحيمة بها أكثر ممن بيدهم مفاتيح المساعدة والقرار والرأفة، الجد والكد لا يفارق النسوة هناك، ولا مشقة عبور الكيلومترات يعفون منها منذ بزوغ الفجر، شغلهم الشاغل الخلاص إلى الضفة الأخرى، أو إلى مناطق مغبرة وعرة ربما لم تطأها قدم إنسان كأنها رقعة "المريخ" على الأرض نعم هنا المغرب العميق.. هنا الموت البطيء بحثا عن بعض الأغصان والحشائش اليابسة لمواجهة برودة الطقس، وتدفئة الرضع والأطفال والنساء الحوامل، أما البقية رجال ويافعون فقد يصاحبون الصقيع صبرا بجلابيبهم الرثة، والوجوه المحمرة تعتليها زرقة تترجم ما ألحقت حدة البرد بهم.. نساء لا يطالبن بحرية "صايتي" ولا يتنازعن على مقاعد بالبرلمان، وكذا الرجال لا يدري منهم أن هناك كائنات بشرية تحجب عنهم شمس الازدهار..
من يشرح ويفسر لهؤلاء أن هناك رئيس حكومة اسمه "بنكيران"؟! أو معارضة حزبية من كائن حي اسمه "شباط"، الغاضب من هذا الأخير ومسلسل كاريكاتوري القط والفأر، من يدري ومن يخبرهم أيضا أن هذه الأيام تعرف صراعا بين رئيس الحكومة و شخص يدعى "أخنوش"، حول صندوق تنمية العالم القروي والنيل تكليفا لجني دريهمات وابتداع الصفقات بعيدا عن حسبة ألآمهم ومعاناتهم، بل الغرض نية مبيتة في التوغل داخل شرايين مغربنا المنسي، كمن يتصدق بالحق قصد ضمان أصوات من أجل الكراسي في القادم من الاستحقاقات البرلمان..
ومن يعلم ومن يفسر لهم أن هناك حزبا اسمه العدالة والتنمية يطبق بالحرف اختيارات اليمين المتطرف في مسألة التسيير الاقتصادي للشأن الوطني ضربا في ضرورة الحاجة الاجتماعية البسيطة لهذه المناطق من مستشفيات، أطباء، أقسام تعليمية تربوية، طرقات لفك العزلة، مساعدات للتدفئة وسد الجوع، وكل ذلك هي ترهات لا تعني معشر الساسة، فالأهم النباح والرد على النباح فيما بينهم لتحصين صلاحياتهم وحقائبهم الوزارية والجهوية، ناهيك عن النزول على هذا المواطن المتهالك بسوط الجلاد العالمي للدول النامية، وهو التطبيق الحرفي لقرارات "البنك الدولي"، وصندوق النقد الدولي بوصفات الإمبريال والرأسمال المتوحش، الذي أثقل كاهل صناديق الدولة بالديون ولا شيء غير ذلك، أسئلة حسرة وأسف تعصف بالذهن وأنت تشاهد مشاهد الواقع والحال، لأن مطالب هؤلاء المواطنين المطرودين من خريطة التنمية لم يسألوا أين الثروة! ولا مطلب زيادة في الأجور! ولا بحقوق المثليين! ولا بحق قبلات ساخنة أمام ساحة البرلمان!
فقط يحلمون بيوم يجدون فيه كلأً كافيًا لماشيتهم وحطبًا وأغطيةً لتدفئتهم، وتطبيب يليق بهم وبنسائهم، لوقف نزيف الأرواح التي تغادرهم كل شتاء جراء برودة الطقس القاسي الذي لا يرحم.. لكن كيف ذلك في ظل سياسة زمرة من اللوبيات التي تقول إيديولوجياتي ومصالحي أولا والإنسان أخيرا حين يشيب الغراب؟! سياسة تعترف بمن خارج الخريطة التخطيطية إلا في مواسم الاقتراع والصناديق الزجاجية وأسبوع "المرقة والبرقوق"، فحتى تلك الممارسة الانتخابية المراد منها تغيير الوضع أصبحت لا تحمل من المصداقية والتغيير إلا سرابا وكأن المواطن يحاول ترك بصمة فوق الماء ولا يفلح، على حد القول الشافي للمفكر نعوم تشومسكي، "للأسف لا يمكن التخلص من الأوغاد عن طريق الانتخابات لأننا لم ننتخبهم أصلا.."
صح لسان الرجل، فكم هو مقلق ومفزع أن يأتي النباح من داخل القافلة، فكم هو مرعب وكارثي أن تخونك الجدران التي تعول عليها لقيادة قاطرة الإقلاع، يبدو أننا ما زلنا نحلم وننتظر من الساسة الأجرأة والحكمة والصدق.. حقا لم يكن تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بعيدا عن الصواب حينما قال "رأيت وأنا أسير في إحدى المقابر ضريحا كُتِبَ على شاهده هنا يرقد الزعيم السياسي والرجل الصادق، فتعجبت كيف يدفن الاثنان في قبر واحد.." لذلك أقول لكم لا تتعجبوا إن ضركم سوء بتراب وطنكم أو تعكر صفو حياتكم أيضا خارج خريطته، أو حتى سماعكم لنباح قد يقلق راحتكم، فقد يكون حتما مصدره من داخل القافلة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.