في ذكرى الفرص الضائعة.. لا تثوروا

ما يجب علينا فعله حقاً، هو معرفة من نحن وماذا نريد قبل أن نقول كيف، الأمر الذي يحتِّم على أبناء هذا الجيل، الجلوس بهدوء معاً ومناقشته سوياً.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/25 الساعة 05:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/25 الساعة 05:38 بتوقيت غرينتش

في كل ليلة، يجلس أصدقاء المهجر سوياً على إحدى المقاهي، يتحدثون عن أمورهم الشخصية، محاولين تجاهل مجتمعهم ووطنهم الذي يئن ألماً، على أمل بدء حياة جديدة خالية من المتاعب، وهروباً من الواقع الذي ظلمهم، لكن لا جدوى، فمن شهد الـ 25 من يناير يصعب عليه الانتباه لأموره فقط وترك الواقع لتعبث به الظروف كما تشاء.

ما زال ضمير الأصدقاء حياً، يدفعهم يومياً إلى التساؤل، ماذا حدث، ومن كان السبب، لعلهم يجدون جواباً صحيحاً، يمهّد لحلٍّ مستقبلي.
اتفق الأصدقاء على التجرُّد من جميع الانتماءات الفكرية والسياسية المختلفة التي ينتمون إليها، لعلهم يصلون إلى جوابٍ منطقي ومقنع.

ماذا حدث؟
رئيسٌ ضعيف غير مؤهل يفتقد للكثير، تولّى سلطة دولة يملؤها فساداً محصناً ومحمياً، من رأسها حتى أخمص قدميها، لم يستطع قراءة الواقع بشكل صحيح، ولم يستطع رؤية الأطراف السياسية الفاعلة بشكل واقعي بعيد عن المثالية، وتشتت في إرضاء الجميع، فلم ينجح في إرضاء معارضة لا يتحلى أفرادها بأي نوع من المسؤولية والحكمة يؤهلهم لتولي إدارة نجع أو قرية فضلاً عن رئاسة جمهورية.

لم يستطع الرئيس الضعيف إرضاء المعارضة أو حتى التخلص من إزعاجها، وعلى الجهة الأخرى فشل في تثبيت أركان حكمه حتى يستطيع ممارسة صلاحياته على الوجه الأكمل، فكان مكبلاً مشلولاً لا يستطيع الحركة، سواء من عشيرته أو من منافسيه.

احتار الرئيس الضعيف بين المصالحة مع أجهزة الدولة العتيقة الكارهة له ولجماعته ولفكره الذي يحمله، وبين التخلُّص من العناصر التي يحتمل أن تقف عقبةً أمامه، اختار الرئيس الضعيف أن يسلك مسلكاً وسطاً، فاختار الإطاحة بالعناصر القديمة مقدماً لهم الميداليات وأوسمة الشرف في نفس الوقت، فلا رضيت عنه بذلك المعارضة ولا رضيت عنه المؤسسات العتيقة.

حاول الأصدقاء التجرّد من جميع الانتماءات ونسيان الدم المسال من كلا الطرفين المتصارعين للحظات من أجل الخروج بإجابة منطقية بعيدة عن تأثير العاطفة على سؤال آخر، وهو هل كان باستطاعة الرئيس الضعيف أن يستمر، وكانت الإجابة بالقطع أنه لن يستطيع الاستمرار فالبلد كان على وشك السقوط نتيجة عوامل عديدة، يتحمل مسؤوليتها الجميع.

أحد أبرز العوامل التي كانت سبباً في فشل الرئيس، هي طريقة تسييره للأمور وخلفيته الفكرية المنتمي إليها، والتي كانت تؤهله أن يكون شيخ جامع بجدارة بدلاً من أن يكون رئيس دولة تتصارع داخلها أطراف وجهات عديدة بشراسة، فحسن الظن بالآخرين والتواضع وخفض الجناج لكل الناس، لا يوطد الهيبة والخوف واحترام القرارات في نفوس من حوله وفي نفوس الشعب.

لقد كان بمقدور الرئيس الضعيف أن يوطد أركان حكمه، لكن خلفيته الفكرية ومجموعة القيم التي يؤمن بها جعلته يرى المفاسد القليلة وكأنها كبائر، بالرغم من الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد والتي كانت تحتّم عليه أن يحسم بسرعة دون تردد، هذا التردد الذي كانت عاقبته استخفاف البسطاء به، فضلاً عن المعارضة التي رقصت الهارليم شايك أمام منزله وأحرقت بوابة القصر الرئاسي.

ليس معنى ما ذكر أن يتحول الرئيس إلى ميكافيلي ويطيِّر رقاب من حوله، لكن السياسة والحكم في الأغلب لا يكتسبان بالشهادات الجامعية، وليس دورنا كمحكومين أن نرشد رأس الدولة لحلِّ مشاكل الإدارة الداخلية الخاصة به، التي تصدر لحلها رغم كره الجميع لهذا التصدر.

ما الحل؟
في ظل الظروف الحالية، قد تبدو كلمة الثورة هي الأكثر جاذبية لأذهان الجميع، لكن بلا شك بعد 5 سنوات من حلقات الفشل المتتالية، فهي الإجابة الأكثر سذاجة إذا تخيل مريدوها أنه بمقدورهم إطلاق ثورة على يد فصيل واحد أو بنفس النمط السابق وبدون جماهير تؤيدها.

لسنا هنا لننادي بثورة أو انتفاضة شعبية مثل كل عام بالتزامن مع ذكرى يناير المهدورة، فجميع الأبواب مغلقة بلا شك، والنزول إلى الشارع سيكون بمثابة انتحار، كما أن الشعب كره الثورة وما اتصل بها، ما يجب على هذا الجيل فعله تمهيداً للمستقبل، هو البحث عن ذاته وإيجاد هويته.

إن العالم يتقدم للأمام ونحن ما زلنا لا نعرف من نحن وماذا نريد وكيف نتغير، وبالتأكيد القيم والأفكار التي اتفق عليها الجيل السابق، ما هي إلا مسألة وقت حتى تنتهي صلاحيتهم وصلاحية الأفكار نفسها، ووقتها سنجد أنفسنا مطالبين بالجواب على هذه الأسئلة بأنفسنا.

الأسئلة لا تقتصر على شكل الدولة إنما تتعلق بالمجتمع أيضاً، ففي الأغلب لن يستطيع مجتمع لا يحترم اختلافات المواطنين وتنوعهم ويفرق بينهم على أساس الدين والملبس أن يكتب دستوراً في المستقبل يحوز على توافق الجميع.
إن أي مشروع سياسي سواء تم تحقيقه من خلال الوصول إلى الحكم بصندوق الانتخابات أو الثورة، يجب أن يكون تراكمياً حتى ينجح، تم التخطيط له بكامل تفاصيله بعناية، بداية من تناول وفهم المجتمع وصولاً إلى شكل الدستور الذي ستتم كتابته على يد الجميع.

ما يجب علينا فعله حقاً، هو معرفة من نحن وماذا نريد قبل أن نقول كيف، الأمر الذي يحتِّم على أبناء هذا الجيل، الجلوس بهدوء معاً ومناقشته سوياً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد