غَزّة 2016.. الوعي والمسؤولية!

أن أهم خطوة في التغيير الحقيقي تبدأ بتحمل المسؤولية، هذا بدوره سينقلك من منطق الضحية إلى دور الإيجابية، وهنا تبدأ المبادرة في التغيير وفي صناعة ما تريد وفق ما تعتقده وتنويه، فكل ما يحدث لك هو نتاج وعيك

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/21 الساعة 02:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/21 الساعة 02:58 بتوقيت غرينتش

الواعي من أبناء مجتمعنا الفلسطيني يدرك أن خيار المصالحة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام هو الخيار الوحيد الذي لا مفر منه بعدما مارسنا وبدون خجل ما يكفي من المراهقة السياسية لأكثر من ثمان سنوات، وأن ضرورة ترتيب البيت الفلسطيني بات على سلم أولويات أولئك الواعين بكارثية استمراره.

ومما آسف عليه أن عددا كبيرا من أبناء مجتمعنا الفلسطيني تعززت لديهم قناعة سلبية إزاء إتمام المصالحة وإنهاء حالة الانقسام، وبلا شك فمع تلكم الوعود المتكررة من طرفي النزاع والتي لم تجد مكانها عمليا إلا في أروقة الأوتيلات ومنابر الإعلام، أصبح الفلسطيني في قطاع غزة يعيش حالة من التخدير أشبه بِـ"البَلادَة"، ومع ذلك فإن مثل هذه القناعة لن تساهم في تغيير الواقع، ولن تجني لمجتمعنا إلا مزيدا من ظنونهم ويأسهم وإحباطهم، بل من الواضح أيضا أننا بوعينا الجمعي الحالي سنستمر نجذب أحداثا وظروفا مظلمة ومتكررة، وبهذا نكون قد شاركنا سلبا إلى جانب أولئك أصحاب الوعود المتكررة في تكريس الحالة القائمة!

وبعيدا عن الخوض في أسباب الانقسام والدوافع التي أدت إليه -عدم الخوض فيها سيوفر علينا الكثير من الوقت والجهد وسيفوت الفرصة على كل التبريرات التي تكرس الحالة القائمة- ومن هنا أقول إن أولى عتبات الحل يكمن في تحمل كل منا المسؤولية، والكف عن إلقاء اللوم على الآخر، هذا سيجعلنا وبلغة Eldridge Cleaver جزءًا من الحل لا جزءًا من المشكلة! وهنا ستبدأ عملية التغيير الحقيقي، وإلا فإن استمرار إسقاط اللوم على الآخرين ما هو إلا إعفاء لأنفسنا من التغيير، والتخلي عن المسؤولية، وهذه هي مكونات الشكوى والتذمر وهي بلا شك صنعة الخائبين!

ماذا يعني تحمل المسؤولية؟

تحمل المسؤولية يعني أن تنهض بوعيك Self Awareness، وتعيد الاتصال برسالتك في الحياة التي من أجلها جئت، وهذا يتطلب جرأة كافية للاعتراف بأنك سبب في كل ما يحدث، وتدرك أنك جزء مشارك في صناعة كل الظروف من حولك! إن تحمل المسؤولية سيدفع بك إلى تقييم الواقع بمنظار الوعي، وسيمكنك من اتخاذ القرار بعيدا عن الانجرار إلى ردات الفعل!

أن أهم خطوة في التغيير الحقيقي تبدأ بتحمل المسؤولية، هذا بدوره سينقلك من منطق الضحية إلى دور الإيجابية، وهنا تبدأ المبادرة في التغيير وفي صناعة ما تريد وفق ما تعتقده وتنويه، فكل ما يحدث لك هو نتاج وعيك، وهو مجموع ما بداخلك من مبادئ وقيم وأفكار وقناعات ومشاعر وخبرات وتجارب وذكريات.. وبالتالي فإن كل ما بداخلك هو النواة الأساس لثمرة النتائج من حولك!

إن تحملك المسؤولية يعني أن ترسم لوحة سيرك في الحياة، أن تُعبّد الطريق بوعيك، أن تختار بمحض إرادتك وليس لأحد الحق في أن ينوب عنك أو يختار لك أو حتى ينزع عنك هذه المسؤولية ما دمت آمنت بحريتك، فليس لرجل دين ولا رجل سلطة ولا أي ظرف يمكن له أن يحدد مصيرك، أجل وبلا شك هي تحديات لكن طريقة تفاعلك واستجابتك معها هي ما يرسم لك الاحتمالات والنتائج!

إنني أدرك بأن غزة تعاني أزمات حادة، هذه هي القصة التي ستسمعها دوما من الغالبية العظمي في القطاع، قصة أزمة الكهرباء والمعابر الحدودية وتردي الوضع الاقتصادي وارتفاع لافت في معدلات البطالة خاصة بين الخريجين، وأزمة غاز الطهي وارتفاع نسبة الأملاح في مياه الشرب.. وغيرها الكثير مما ذكره تقرير وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "Gaza in 2020" والمشكلة فيما لو أصبحت -وهذا الحاصل- تلكم الأزمات لدى الأفراد -وبشكل غير واعٍ- هي ذاتها المبررات التي من شأنها نزع حس المسؤولية الفردية للتغيير، أصبحت الشمّاعة التي نعلق عليها عجزنا وخيبة أملنا، وهكذا نقع وببساطة في فخ الإسقاط واللوم وجلب نفس النتائج غير المرجوة، هذا المسلسل لن ينتهي أبدا إلا بتغيير القصة والبدء بتحمل المسؤولية!

عودًا إلى أزمة الانقسام أقول:
إن أشقى الناس في نظري هم الذين ابتلوا بذاكرة غير متسامحة، لا يعرفون للصفح والغفران أي معنى، هذا بسبب التربية غير الإنسانية سواء المنزلية أو المدرسية أو التربية الدينية أو حتى الحزبية، تلك التربية التي أفرزت قيما سلوكية ضيقة، تقصي الآخر تدمغه وتضعه في مصاف الشبهة، بل وتنزع عنه رداء الوطنية لا لأنه ليس وطنيا، وإنما لأنه ليس منهم، والمصيبة أن تبيح وتستبيح دمه! وهنا رسالتي للشباب وخاصة الفيسبوكيين منهم أن يدركوا أن الانقسام ما هو إلا حدث زمني في الماضي وانتهى، ولكن المشكلة تكمن في حديثنا بنفس الطريقة ونفس المستوى من الانفعال عن ذلك الحدث الماضي وتركيزنا عليه هو ما يبعث فيه الحيوية، ويجعل منه حدثا كما لو كان بالأمس! وهنا لابد أن نعيد تركيزنا وتواجدنا في الحاضر، لابد أن نتعالى عن دراما ماضينا بكل ذنوبه وإلا سنظل نعيش أبدية العقدة الماضوية وهذا سيجعل منا أشباحا، أجسادا حاضرة بعقول ماضية! إن الحاضر هو الحقيقة الوحيدة التي من خلالها نستطيع التغيير، أما عن الماضي الذي انتهى فهو بات مجرد تفسير في وعينا ومثله المستقبل الذي هو وَهْم لم يأتِ بعد!

من خلال حاضرنا فقط نستطيع تجميل ماضينا وبناء مستقبلنا، وهو يمنحنا الفرصة للاختيار واتخاذ القرار ومن ثم التركيز على كل ما نريده في بناء مجتمعنا ووعيه.
سُئل أحد الأساتذة الكبار عن كيفية حل الأزمة بين حركتي فتح وحماس، فقال: شوية زهايمر كفيل بحل المشكلة!

الزهايمر.. مرض فقدان الذاكرة!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد