ولخدمة السلطان وجهان. وجه ذليل يتعاملون به مع السلطوية الحاكمة وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية، ولسان حالهم حينها هو أحلامكم أوامر يا سادة. ووجه متغطرس يغتالون به معنويا ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والمعارضين ويسوقون المبررات الفاسدة للظلم الذي يعانون منه، ولسان حالهم عندها هو حفنة من الخونة والمشبوهين.
ولوجه خدمة السلطان المتغطرس الكثير من المنافع الأخرى. فبه، وعبر وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها، ينقلون أوامر سادتهم إلى جموع المصريات والمصريين. في صيف 2013، كان عددهم الأكبر يصرخ في الناس متوعدا إن هم لم يفوضوا وزير الدفاع السابق لمواجهة الإرهاب أو إن هم امتنعوا عن تأييد الفض الدموي لاعتصامات الإخوان المسلمين الذين تحولوا جماعيا إلى إرهابيين وقتلة. في خريف 2015، كان عددهم الأكبر يصرخ مجددا في الناس متوعدا إن هم لم يذهبوا إلى مراكز الاقتراع للتصويت في الانتخابات البرلمانية أو أن هم تجاهلوا مخططات أعداء الداخل والخارج الذين يريدون إسقاط الوطن. في شتاء 2015، يصرخ عددهم الأكبر في الناس متوعدا إن هم تعاطفوا مع ضحايا الانتهاكات الذين يتاجرون بالمرض والهزال لتسجيل نقاط سياسية رخيصة أو أن هم أنصتوا إلى حفنة الخونة الذين يدعون الحدوث المتكرر لجرائم القتل خارج القانون والاختفاء القسري والتعذيب والموت وراء الأسوار بفعل الإهمال ويدبجون التقارير مدفوعة الثمن دوليا.
بالوجه المتغطرس، أيضا، يمرر خدمة السلطان الإخفاقات الحكومية المتراكمة كعناوين عريضة لإقدام واستبسال المسؤولين الرسميين، وجميعهم يعملون بالطبع وفقا لتوجيهات سيادة الرئيس. إلقاء وزير خارجية مصر لميكروفون قناة الجزيرة هو عنوان لعمل بطولي ضد أعداء الوطن. وبه، وليس بالنجاح في إدارة علاقات مصر الإقليمية والدولية، أصبح الوزير أسد الخارجية. أما نفي مسؤولي وزارة الداخلية لوجود جرائم قتل خارج القانون أو اختفاء قسري أو تعذيب وتسفيهه للمدافعين عن حقوق الإنسان فيمثل دفاعا مقداما عن مصالح الوطن العليا. طبعا، دون أن يوضح خدمة السلطان الكيفية التي تصير بها الانتهاكات دفاعا عن الوطن، أو المصادر المحتملة لإماتة الضمير وللمعايير المزدوجة التي يتعين على المواطن اكتسابها وتطبيقها لكي يتجاهل أسماء ضحايا الانتهاكات التي وثقت في تقارير حقوقية مصرية وعالمية وينكر مصداقية الشهادات الشخصية للضحايا التي يتداولها الإعلام البديل.
بالوجه المتغطرس، أخيرا، يروج خدمة السلطان لأوهام تعرض مصر لمؤامرة كبرى تستهدف إفشال رئيس الجمهورية وإسقاط الدولة ومؤسساتها وتركيع الشعب. إجلاء الرعايا البريطانيين عن مصر في أعقاب حادثة تحطم طائرة الركاب الروسية مؤامرة، وإعلان الحكومة البريطانية والإدارة الأمريكية عن الطبيعة الإرهابية لحادثة الطائرة الروسية مؤامرة، وإجلاء "الصديق الروسي" لرعاياه ووقفه لرحلات الطيران من وإلى مصر وتصنيفه الحادثة كعملية إرهابية مؤامرة. أما إقليميا، فتتنوع المؤامرات وتتنقل مسارح عملياتها من تركيا وقطر إلى غزة وشريطنا الحدودي معها. وداخليا، تتآمر عصابات الإخوان، ومن ضمنها خلية سد البلاعات والمصارف في الإسكندرية. الجميع يتآمر على مصر، هكذا يدعي خدمة السلطان. ثم يخرجون بوجههم المتغطرس على الناس ليتوعدوا المتآمرين في الداخل والخارج بالويل والثبور وعظائم الأمور، وليقرروا "باسم الشعب" التأييد المستمر للبطل المنقذ والاستعداد للجوع تنفيذا لتوجيهاته.
يمارسون الغطرسة على جموع المصريات والمصريين، يستبيحون كرامة ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وكرامة المدافعين عنهم لصناعة جمهورية خوف وقمع، يزينون الإخفاقات الحكومية ويصنعون منها بطولات لها أسودها، يرددون أحاديث المؤامرات وحتمية "الاصطفاف" خلف البطل المنقذ لكي لا يفكر الناس في الانعتاق من السلطوية الحاكمة والنجاة بمصر من إخفاقاتها.
هكذا هم. لن أتوقف عن كشف زيفهم. هذا هو ما عندي، وليأتوا هم بما عندهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.