ترامب وعقدة النقص العربية

العجيب أن ترامب وجد من يدعمه داخل المجتمعات العربية، حيث وجدنا عددا من الكتاب يبرر كلام ترامب ويجمع له المسوغات، بل ويدعي أن مثل هذه السياسة كانت لتجنب أميركا الكثير من الويلات، بل ويتجاوز ذلك إلى اقتراح تطبيق النظام في الدول الأوربية، ويهيل بالسب والشتم على ثقافتنا العربية والإسلامية كونها سبب المشاكل في هذا العالم المسالم الوديع، وأعتقد أن عمود الجريدة لو طال به قليلاً لدعا إلى طردنا من بلادنا واستبدالنا بوجوه شقراء جميلة مسالمة تحب الحياة وتعشق السلام.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/15 الساعة 05:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/15 الساعة 05:02 بتوقيت غرينتش

لم يكن غريباً على المرشح للرئاسة الأميركية المليادير دونالد ترامب إطلاق تلك التصريحات النارية في إحدى كلماته العامة معلناً أن الحكومة الأميركية يجب أن تمنع قدوم المسلمين إلى الولايات المتحدة، فهو يعتمد منذ بداية حملته الانتخابية المثيرة للجدل، على طبقتين داخل المجتمع الأمريكي؛ أولها اليمين المتطرف سواء من الجمهوريين أو مما يسمى بحزب الشاي (The Tea Party) وهي شريحة حاقدة على الحزب الديمقراطي وسياساته المنفتحة والـ(الجبانة) تجاه أعداء أميركا، والشريحة الثانية هي ما يعرف بغير المقررين، وهم عدد كبير من الأميركيين الذين سئموا من العملية السياسية وفقدوا الاهتمام بها متابعة أو مشاركة.

وبمعرفتك بهاتين الشريحيتين تدرك أن تصرفات ترامب التي تبدو للوهلة الأولى تصرفات رجل يتكلم دون أن يفكر، هي كلمات مدروسة موجهة لشرائح معينة لا يهتم مهندسو حملته بغيرها، بداية من شعار حملته: لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، وحتى إطلاقه لشاربه قبل الكلام في الولايات الجنوبية، وانتهاءً بتصريحاته الصادمة.. كلها جزء من حملة مختارة بعناية، من قبل فريق يفهم كيف يفكر الشعب الأميركي الذي بات يعتقد أن أمريكا لم تعد في مكانتها السابقة.. كالقوة العظمى الوحيدة في العالم.

تصريحات ترامب سابقة الذكر لاقت كمية وافرة من الانتقاد والسخرية بل ومحاولة التجريم قضائياً من أكبر الجهات السياسية داخل الولايات المتحدة، ابتداءً من البيت الأبيض، مروراً بأعضاء مجلس الشيوخ والنواب، وانتهاءً بأعضاء الحزب الجمهوري نفسه الذي يسعى ترامب لتحصيل دعمه في الانتخابات الرئاسية القادمة.

العجيب أن ترامب وجد من يدعمه داخل المجتمعات العربية، حيث وجدنا عددا من الكتاب يبرر كلام ترامب ويجمع له المسوغات، بل ويدعي أن مثل هذه السياسة كانت لتجنب أميركا الكثير من الويلات، بل ويتجاوز ذلك إلى اقتراح تطبيق النظام في الدول الأوربية، ويهيل بالسب والشتم على ثقافتنا العربية والإسلامية كونها سبب المشاكل في هذا العالم المسالم الوديع، وأعتقد أن عمود الجريدة لو طال به قليلاً لدعا إلى طردنا من بلادنا واستبدالنا بوجوه شقراء جميلة مسالمة تحب الحياة وتعشق السلام.

ردة الفعل الأميركية الرسمية والإعلامية كانت نابعة من المبادئ الدستورية التي يفتخر بها الأميركيون، حيث وجدوا أن هذه التصريحات تميز ضد أناس محددين بسبب اعتقادهم، وبالتالي فإنها بداية لعصر يفقد فيه الحلم الأميركي بريقه الجذاب، مما يجعلهم فاقدين لأكثر ما تبجحوا به منذ تأسيسهم لدولتهم.. الحرية المطلقة.

وهنا يحق للمتبع أن يتساءل: إذا كان الأميركيون انطلقوا من حريتهم، فمن أين انطلق أصحابنا المؤيدون لترامب؟
هل هو العقل السلطوي المحب للحلول السيادية السريعة؟ هل هي تصفية حسابات مع المجتمعات العربية؟ أم هل هي عقدة نقص متجذرة وعبادة للقوي المتسلط أو حتى القوي المحتمل؟

لربما تكون الإجابة عاملاً مشتركاً بين كل السابق، لكن ما تثبته الأيام.. أن بعضنا مخلص لثقافة ليست بثقافته، ومجتمع ليس بمجتمعه، فهو مستعد لأن يلبس الجلد الذي خلعه الذئب ورماه في القمامة، بعد أن تلطخ بدماء الخراف.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد