القاعدة وداعش فى لوغاريتمات الأزمة اليمنية

باتهام قيادة داعش للقاعدة بالردة واتهام القاعدة لداعش بالتكفير يصل العداء بين التنظيمين لذروته لتمتد آثاره إلى فرعيهما باليمن، حيث دعا تنظيم داعش فى إصدار مرئي بعنوان "يا قاعدة اليمن إلى أين تذهبون" عناصر القاعدة في شبه جزيرة العرب لمبايعة "أبو بكر البغدادي"، متهما قائد التنظيم "قاسم الريمي" بجره إلى الانحرافات والتخاذل عن قتل المرتدين وتطبيق الشريعة.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/01 الساعة 08:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/01 الساعة 08:20 بتوقيت غرينتش

بينما تستحوذ المواجهة بين الحكومة اليمنية وقوات التحالف العربي من جانب وميليشيات صالح والحوثيين من جانب آخر على اهتمام البعض وهو يتابع المشهد اليمني، تظهر ملامح تحركات القاعدة وداعش نحو عدن عاصمة البلاد المؤقتة، بصورة تنذر بسعيهما لابتلاع أى شبر تسترده الحكومة من الحوثيين وصالح، مما يدفعنا لمحاولة قراءة وضع التنظيمين داخل المعادلة اليمنية.

عقب الضربات الأمنية التى تعرض لها تنظيم القاعدة فى السعودية فى مطلع الألفية الجديدة فر عدد من قياداته وأعضائه إلى اليمن مندمجين مع رفقائهم هناك فى كيان جديد حمل اسم "تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب" عام 2009، ومن هنا انطلق التنظيم محاولا إثبات نفسه على الساحة، أما تنظيم داعش فقد أعلن عن وجوده فى اليمن فى 21مارس 2015 عبر تفجيرات استهدفت حسينيات للشيعة أوقعت أكثر من 142 قتيلا ومئات الجرحى، ومن ثم أعلن وجوده رسميا فى شهر أبريل التالي.

1- أهمية اليمن فى الرؤية الاستراتيجية للقاعدة وداعش

تتمتع اليمن بخصائص عدة تجعلها ذات أهمية كبيرة بالنسبة للتنظيمين:

أولا: الأهمية الجغرافية

تتميز اليمن بموقعها الجغرافي فهي لها حدود مشتركة مع السعودية التى تعد السيطرة عليها حلم قادة التنظيمين كما أنها مسقط رأس مؤسس القاعدة أسامة بن لادن وعدد من قيادات التنظيم البارزين، ولليمن حدود بحرية مع دول الساحل الشرقي لأفريقيا لاسيما الصومال وكينيا اللتان يمثل مواطنوهما رافدا هاما بالمقاتلين لكلا التنظيمين، وإطلال البلاد على مضيق باب المندب وخليج عدن يوفر لهما فرصة مثالية لاستهداف السفن التجارية وإن كان ذلك فيه صعوبة حاليا بسبب تزايد السفن العسكرية الدولية فى المنطقة.

ثانيا: الأوضاع الاجتماعية والسياسية

تفوق قوة القبيلة فى اليمن على قوة الدولة فى بعض الأحيان بشكل يمكنها من تحديها، يضمن لأفراد التنظيمين ولاء وحماية اجتماعية بعيدا عن أى خلاف أيدولوجي ولعل نموذج منظر القاعدة السابق في اليمن أنور العولقي خير مثال لذلك، لكن مقومات السيطرة تجاوزت مرحلة الاستناد إلى الدعم القبلي مع تردي الوضع السياسي والأمني خلال السنوات الأربع الأخيرة ولاسيما بعد انقلاب الحوثيين وعجز الحكومة عن فرض سيطرتها الكاملة أمنياً على أي رقعة من أراضي الدولة، مما يساعد التنظيمين على الانتشار وترسيخ وجودهما.

2- أماكن انتشارهما

من الملاحظ أن التنظيمين يتشاركان مناطق نفوذهما في حضرموت ومأرب والبيضاء وشبوة وذلك راجع لصغر أتباع داعش فى اليمن بصورة تعيقهم عن تأمين مساحة واسعة من الأرض وكذلك اعتماد التنظيم بشكل أساسي على العناصر التى استقطبها من القاعدة، كما أن مناطق نفوذ القاعدة تمثل أفضل الأماكن التى يمكن أن يشكل داعش على أطرافها بعض الجيوب التابعة له.
أما بالنسبة للقاعدة فهو حريص على ترسيخ وجوده أولا فى كتلته الصلبة محافظة حضرموت وضمان حصوله على قبول شعبي فيها، واستغلال نافذتها البحرية على البحر الأحمر فى الحصول على بعض من احتياجاته اللوجستية، وتجنيب إمارته المنتظرة فرص حصارها من قبل أعدائها، ثم الانتقال لتوسيع مناطق نفوذه حسب متغيرات الوضع السياسي والعسكري.

3- العلاقة بين القاعدة وداعش

باتهام قيادة داعش للقاعدة بالردة واتهام القاعدة لداعش بالتكفير يصل العداء بين التنظيمين لذروته لتمتد آثاره إلى فرعيهما باليمن، حيث دعا تنظيم داعش فى إصدار مرئي بعنوان "يا قاعدة اليمن إلى أين تذهبون" عناصر القاعدة في شبه جزيرة العرب لمبايعة "أبو بكر البغدادي"، متهما قائد التنظيم "قاسم الريمي" بجره إلى الانحرافات والتخاذل عن قتل المرتدين وتطبيق الشريعة.
هذا العداء مع تماسهما فى مناطق الانتشار سيجعل صدامهما حتميا، لكن كلاهما يسعى لتجنبه حتى حين، فالقاعدة تركز على الأعداء الأكثر قوة وداعش تنتظر حتى تقوي شوكتها.

4- علاقتهما بالحكومة

شكلت التسهيلات الخفية للقاعدة أحد أهم المرتكزات السياسية للرئيس المخلوع عبد الله صالح، من أجل تبرير سياسته القمعية داخليا تحت دعاوى مكافحة الإرهاب، واستغلال القاعدة كورقة ضغط على دول الخليج للحصول على مليارات الدعم الاقتصادي والعسكري التى تذهب لحساباته الشخصية، ومع سقوط صالح دخل التنظيم فى عداء مع النظام الجديد ترتب عليه تبادل الهجمات العسكرية إلا أن الضعف الذي شهده النظام وتأكد بفشله فى التصدي لتمرد الحوثيين وصالح، واضطرار الرئيس والحكومة لإدارة شئون الدولة من مقر مؤقت فى العاصمة السعودية الرياض، قد وفر ذلك بيئة خصبة للقاعدة للتمدد فى وسط وجنوب البلاد، واكتفاء المسئولين بالتصريحات المعادية للتنظيم، وأن قوات التحالف ستتحرك للقضاء عليه. أما على الصعيد العملياتي فالتحركات العسكرية هى ردود أفعال على هجمات للتنظيم فى ظل انشغال الحكومة بالمواجهات مع مليشيات صالح والحوثيين.

أما بالنسبة لـ"ـداعش" فالحشد الإعلامي والعسكري الدولى ضد التنظيم والمصحوبين بعملية حشد مضاد، وأمام حكومة مهترئة فبدا طبيعيا أن تهاجم الحكومة وقياداتها العسكرية التنظيم إعلاميا وتتوعده بما توعدت به القاعدة لاسيما بعد تحوله لاستهداف مقراتها وآخرها الهجوم على مقر الحكومة المؤقت في فندق القصر غربي عدن، ومقر العمليات المركزية لقوات التحالف العربي، ومقر الإدارة العسكرية الإماراتية في أكتوبر الماضي، والذي أسفر عن مقتل 15 شخصا وإصابة العشرات بينهم وزير الاتصالات اليمني لطفي باشريف.

5- علاقتهما بصالح والحوثيين

يشترك القاعدة وداعش فى عدائهما لصالح والحوثيين "الشيعة" وفق منطلقات أيدلوجية، فصالح فى نظرهما هو طاغوت سابق مرتد يتحالف مع الحوثيين الكفار أداة إيران للسيطرة على اليمن، وبينما تستخدم داعش كافة السبل فى مواجهة الحوثيين بما فيها تفجير الحسينيات أو المساجد المختلطة للسنة والشيعة إلا أن القاعدة تؤكد على اعتراضها على تفجير المساجد فى نقطة تمايز تصب شعبيا فى صالح التنظيم، ووفق المعطيات الميدانية ينظر التنظيمان لصالح والحوثيين باعتبارهما العدو القريب فهما الأكثر خطرا وانتشارا على الأرض، ولديهما عدد كبير من المقاتلين أكثر قوة من الجيش الحكومي الذي يعتمد على دعم قوات التحالف، والتي لن تغامر بالدخول في مواجهات برية مع التنظيمين.

بالمقابل فرغم شراسة القاعدة وداعش لكن صالح والحوثي ينظران إليهما باعتبارهما عدوين مؤجلين، وأقل خطرا فى الوقت الراهن لأن التنظيمين لا يفوقانهما عدة أو عددا وهجماتهما لا تحمل أي معالم تكتيكية حيث يغلب عليها العشوائية، كما تمكن الحوثيون من توجيه ضربة قوية لداعش بقتل أبو عمر الشامي أميرها فى اليمن فى يوليو الماضي غربي العاصمة صنعاء، من جهة أخرى لا توجد دول تدعم التنظيمين عسكريا أو سياسيا، ولا يسيطران على رقعة جغرافية كبيرة، ويخوضان حربا مع المجتمع الدولي، كما يمكن الاستفادة من هجماتهما على القوات الحكومية وقوات التحالف العربي.

الساحة اليمنية أشبه "بترابيزة بلياردو" تتشابك فيها حسابات الأطراف الداخلية مع بعضها البعض من جهة وكذلك حسابات الأطراف الإقليمية والدولية، وسيظل أمد بقاء التنظيمين مرهونا بحالة التفكك السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد، ومستوى تطور الحرب الكونية على داعش، لكن من المؤكد وفق ما تشير إليه كل الوقائع أن التخلص منهما لن يحدث فى المستقبل المنظور.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد